مسلسل «قيامة ارطغرل» ولادة جديدة للدراما التركية الهادفة

قبل حوالي العقد من الزمن بدأت الدراما التركية تسوق عبر بعض الفضائيات العربية, وقد خدمها في ذلك الانتشار السريع في العالم العربي شركات الدبلجة السورية التي بدأت بتركيب أصوات لمُمثلين سوريين معروفين على شخصيات تلك المُسلسلات التافهة, وقد سجلت الدراما التركية التجارية في ذلك الوقت حضوراً واسعاً وزاحمت الدراما المصرية والسورية خاصة لدى فئات المُراهقين من كلا الجنسين في دول الخليج؛ وقد تذمر الخليجيون حينها من خطورة ما يُطرح عبر تلك المُسلسلات التركية من ثقافة مُنحلة تدعو للفساد والتمرد على الأسرة.

ولا شك أن الدراما التركية قد تطورت خلال السنوات القليلة الماضية وأصبح لها سوق رائج في القنوات العربية وخاصة الفضائيات الخليجية, ولكن للأسف لم يتم اختيار الأعمال الهادفة الرصينة بل يتم انتقاء المسلسلات التجارية الهابطة خاصة تلك التي تدغدغ مشاعر الُمراهقين كما حدث في موجة المُسلسلات التركية التافهة التي تم تسويقها في الفضائيات الخليجية خلال العقد الفائت كمسلسل "سنوات الضياع" و"نور" ومن ثم "حريم السلطان" وغيرها من مُسلسلات تركية فارغة المحتوى.

والسبب في انتشار تلك المسلسلات التجارية هو السوق الخليجية الرائجة لمثل هكذا دراما سطحية, وذلك بعد دبلجتها وعرضها المتواصل على شاشات الفضائيات العربية فتصبح بمثابة وجبات يومية للمشاهدين وخاصة شرائح المراهقين.

وربما من حُسن حظ الأتراك حينها أن بالرغم من رداءة تلك المُسلسلات والضجة الإعلامية المناوئة لتلك الدراما المستوردة التي يُمكن أن نُطلق عليها بدراما المُراهقين, إلا أن التقنية العالية في التصوير وإظهارها للمناظر الطبيعة الخلابة وترويجها للمناطق السياحية والشواطئ والفنادق ومراكز التسوق كانت قد ساهمت كثيراً في خدمة السياحة التركية, خاصة بالنسبة للسياح الخليجيين والسعوديين تحديداً الذين أبهرتهم تلك الأجواء والمناظر الطبيعية مُقارنة بالأماكن المُقفرة في داخل السعودية, فبدأ القوم يتقاطرون زرافات على المنتجعات والشواطئ التركية, وهذا قطعاً صب في صالح السياحة في تركيا.

وقد ظهرت حينها موجة غضب ورفض من قِبل أولياء الأمور ضد تلك المُسلسلات التركية المُدبلجة؛ إذ شكلت لبعض المُعجبين بالتجربة التركية صدمة اجتماعية حينما بدأت تُصدر تلك الدراما المُنحدرة عبر الفضائيات العربية, فلم يتوقعوا أن يكون الأتراك بذلك الانفلات الأخلاقي الذي صور عبر تلك المُسلسلات الوضيعة, ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر الأنموذج التركي الإسلامي وهو انتاج مُسلسل "حريم السلطان", حينها أدرك كثير من العرب أن الأتراك في حالة ضياع وفقدان لهويتهم الإسلامية والدليل تلك المُسلسلات الرخيصة التي تُصدر إليهم.

وهذا لا يعني أن تلك المُسلسلات كانت مرفوضة بالكامل في المجتمعات العربية, بل على العكس فقد اخترقت عقول وقلوب الشباب في المنطقة العربية, وأصبحت تشكل خطراً داهماً على أخلاق وثقافة المُجتمع, وهذا ما ولد نوعاً من الحنق والرفض لهكذا دراما رومانسية ناعمة تغلغلت في المُجتمعات العربية من خلال الإثارة ودغدغة مشاعر المُراهقين فأثرت على العادات والتقاليد في المنطقة.

ولهذا فقد واجهت الدراما التركية حملات انتقاد إعلامية واسعة في العالم العربي, متهمة تلك الجهات المُنتجة للدراما التركية بأن هدفها هو نشر الفساد الأخلاقي وتسويق للرذيلة من خلال تلك المسلسلات الساقطة, وتشويه صورة المجتمع التركي في الخارج من خلال تصوير الحالات الشاذة في المجتمع وتضخيمها وجعلها هي السائدة, ناهيك عن العبث والتزوير في التاريخ العثماني من خلال توثيق المزاعم الغربية وجعلها هي المصدر للمعلومات في الدراما التركية.

والحقيقة أن كثير من الجمهور التركي الرصين كان يجد صعوبة في افهام الجمهور العربي خاصة, بأن تلك المُسلسلات التركية التي غزت عقول وقلوب أبنائهم المُراهقين لم تجد الرواج في داخل تركيا, بل كانت دراما فاشلة بكل معنى الكلمة, وكان على هؤلاء المُمثلين أن يشكروا الفضائيات السعودية والإماراتية لأنها هي من روجت وسوقت لهكذا دراما سطحية رخيصة وجعلت من أفرادها نجوماً وأبطال في القنوات الفضائية الخليجية :


وهذا الأمر قد أضر بسمعة الأتراك كثيراً بالرغم من أنه قد أفادهم من ناحية سياحية وترويجية, ويبدو أن الحكومة التركية قد شعرت بفداحة هذا الأمر وأدركت خطورة تلك المُسلسلات على سمعة الشعب التركي في العالم العربي والإسلامي, فأرادت أن تُرمم ذلك الضرر من خلال الحث على إنتاج مُسلسلات اجتماعية وتاريخية رصينة, لكن بقي الحال كما هو عليه لأن الطلب الجماهيري كان يبحث عن تلك التفاهات التي تنتجها بعض الشركات الفنية التركية.

لأن المنتج التركي سيقع في حيرة من أمره وسيُصبح أمام خيار صعب للخروج من تلك المحنة, فإما أن يُراعي القيم ويحترم الذوق العام فيمتنع عن انتاج مثل تلك المُسلسلات الهابطة وحينها سيخسر فرص التسويق وقد يؤدي إلى إفلاسه, أو يستمر في انتاج واجترار تلك الدراما الفارغة ما دام هناك أسواق خليجية تتهالك على بث مثل هذا الغثاء وتدفع الأموال الطائلة.


والمعادلة ستكون صعبة ومُغرية أيضاً, ولا أدري عن صحة تلك الأخبار التي ترددت عن حث الحكومة التركية للمخرجين والمُمثلين الأتراك على انتاج أعمال درامية رصينة لنقل صورة ناصعة عن التراث والثقافة والتاريخ التركي, من أجل نقل صورة حسنة ومُشرفة عن تركيا في العالم العربي والإسلامي وأيضاً محاولة ترغيب الأتراك بتاريخهم المجيد وإثارة حميتهم ودفعهم لعدم الانسلاخ عن إسلامهم باعتبار أن الدراما باتت هي الوسيلة الناعمة لإيصال وجهة النظر التركية لشعبها وللشعوب الأخرى.

ولهذا شاهدنا انتاج مُسلسل "قيامة ارطغرل" الذي جاء بعد سيل جارف من المُسلسلات التركية التجارية الهابطة, فهل كان هذا الأمر بإيعاز من قِبل الحكومة التركية؟ أم كان بمبادرة طوعية من بعض المُنتجين الأتراك الذين حرصوا على إظهار الوجه الناصع لبلدهم من خلال الدراما واهتموا في انتاجهم في مسألة النوع لا الكم.



الحقيقية لقد نجح الأتراك أخيراً في انتاج دراما تاريخية تركية مُلهمة للأتراك وأثرت في الجمهور العربي أيضاً, بالرغم من سيل الاعتراضات على أحداث هذا المُسلسل التاريخي, لكن فكرة ومحتوى وسياق المُسلسل كان ناجحاً بكل المعايير, فقد نجح هذا المُسلسل بإثارة مشاعر الأتراك القومية والدينية وحاول العودة بهم إلى تاريخ أجدادهم مُمثلاً بشخصية "ارطغرل" جد العثمانيين, فكان هذا المُسلسل بمثابة دراما تاريخية رصينة فيها شحذ لهمم الأتراك والمُسلمين عموماً, وقد سجل هذا المُسلسل نجاحاً كبيراً داخل تركيا وخارجها, وقد تابعه ملايين المُشاهدين حول العالم, وشخصياً لم أفضل أن أكتب حول هذا المُسلسل إلا بعد أن شاهدت مُعظم حلقاته, لكي تكون لدي فكرة شاملة وكاملة عن تلك القصة وتتابع الأحداث في تلك الملحمة التاريخية (يُمكن مُشاهدة كامل الحلقات على الرابط التالي) :

وأمر طبيعي أن يواجه مثل هكذا مُسلسل تاريخي ضخم (يرُكز على العنصر التركي في الفتوحات الإسلامية) انتقادات حادة خاصة من قِبل بقية القوميات الأخرى, فهو كأي عمل درامي سيجد آراء مُختلفة ما بين مؤيد ومُعترض, وسوف يُركز البعض على الهنات والأماكن الضعيفة في هذا العمل بينما سوف يُشيد البعض الآخر بمحتوى ذلك المُسلسل وما جاء فيه من حرص على العدل والوحدة وخدمة المُسلمين, وقد تعددت المُلاحظات والانتقادات؛ منها ما هو مُتعلق بعدم دقة الأحداث التاريخية, ومنها ما له علاقة في التصوير والإخراج الفني للعمل.

ونحن العرب مُبدعون فقط في مسألة النقد والتثبيط والتنظير على بقية الأمم, بينما فضائيات آل سعود وآل نهيان تمتلك المليارات من الدولارات لكنها مُنشغلة ببث المهرجانات الغنائية الراقصة, وحينما يُبدع غيرنا نُسارع لكي نُقلل من شأنه بينما نعجز عن مُجاراته بصناعة مثل تلك الدراما التاريخية, لهذا حاول البعض أن يدعي بأن اختيار المخرج لقاضي حلب المُرتشي هو تعريض بالعرب, علماً أنهم لم يذكروا في المُسلسل أن القاضي كان عربياً, ويكفي أن أحداث المُسلسل تدور حول روحانية وكرامات ابن العربي الذي لولا دعائه ونصائحه لهلك ارطغرل.



الغريب أن هؤلاء المعترضين تجدهم يتابعون بشغف أفلام هوليوود بالرغم ما فيها من إساءات وتشويه للعرب والمُسلمين ومن مُبالغات وخوارق وخيال علمي, مع هذا تجدهم يترقبون الأفلام الأمريكية بفارغ الصبر ويشعرون بمتعة كبيرة وهم يتابعون تلك الأفلام الفارغة, وحينما يُنتج شقيق لهم أو أخ في الدين مُسلسلاً تاريخياً يُظهرون كل عيوب الدنيا في هذا العمل !؟

لا أدري ما الذي يُزعجهم في انشغال الشباب العربي المُغيب في مُتابعة مُسلسل تاريخي - أكشن - بطله مُسلم تركي, بدلاً أن تتعلق قلوبهم في سوبرمان وباتمان وقبلهم شغفوا بشخصية رامبوا وآرنولد شوارزنيجر وفان دام وبروس ويليس وغيرهم.

قطعاً فإن لهذا المُسلسل رسالة سياسية مُعينة أراد القائمين عليه إيصالها للشعب التركي ولبقية الشعوب المُجاورة أيضاً, كما قام المخرج ببعض الاسقاطات السياسية المُعاصرة على أحداث هذا المُسلسل, كاختياره بعض النماذج من الجواسيس والخونة كـ"العطار اليهودي" و"التاجر الفارسي" وأيضاً شخصية "كورد أوغلو" ليكون أخ لسليمان شاه بالدم لكنه مع هذا خانه وتعاون مع فرسان المعبد وتآمر على قبيلة الكايلار, وإذا ما أخذنا اسمه الأول فيكفي القارئ معرفة المغزى من وجود أخ بالدم آثر الخيانة والتآمر مع الصليبيين على أبناء جلدته.

كما استحضر المخرج بعض الأشعار والحكايات والأغاني التركمانية القديمة لتكون مُلهمة ومحفزة للجمهور التركي, فهو يسعى من ورائها لإثارة النعرة القومية التركية لديهم, وأيضاً أراد تحريك مشاعرهم الدينية والمذهبية, خاصة وأن الأتراك هم على المذهب الحنفي ويوقرون أصحاب الكرامات بحكم تصوفهم التاريخي, وقد نجح المخرج في استخدام الأغاني التراثية في سياق المُسلسل كأغنية (وقعت يوماً بيد المغول) التي شارك فيها صاحب شخصية ارطغرل :


البعض انتقد مشاهد تقطيع الرؤوس ووجد أنها مؤذية وتخدش مشاعره! ونفس هذا المُعترض هو على استعداد كامل لمُشاهدة سلسلة كاملة من أفلام مصاصي الدماء وأفلام زومبي لكن قطع الرؤوس في المُسلسل جرحت مشاعره الرقيقة !؟ فصام درامي

كما جذب انتباهي انتقاد بعض السلفيين في الخليج لبعض أحداث هذا المُسلسل؛ وكعادتهم وجهوا انتقادهم لشخصية - مُحي الدين بن العربي - المتصوف الذي حتماً سيكون هو عدوهم الأزلي في هذا المُسلسل؛ والحقيقة فقد أخطأ الأتراك إذا كان عليهم أولاً قبل البدء بتصوير المُسلسل عرض سيناريو العمل الدرامي على مُفتي آل سعود وعلى هيئة الأمر بالمعروف هناك لكي يُعطوا رأيهم الفقهي بالمُسلسل وبشخصية ابن العربي من أجل أن ينالوا رضى واستحسان الكنيسة النجدية.

أحدهم ترك أحداث المُسلسل وتحدث عن حالات الاختلاط بين قبيلة الكايلار وخاصة اختلاط ابن العربي في الغار مع بانو شيشك !!
فبالله عليكم كيف سيتم إخراج أحداث هذا المُسلسل بدون اختلاط المُمثلين مع بعضهم !؟
يُريدون مُسلسلات تاريخية حسب المواصفات السعودية ووفق الضوابط الوهابية, ولهذا من غير المستغرب إن لم يُعرض هذا المُسلسل على القنوات السعودية, لأنهم يريدون نموذج لارطغرل الوهابي لا الصوفي, والأحداث يجب أن تكون حسب رؤيتهم وحسب فقهم.

مُتناسين أنه مُسلسل روائي درامي وليس برنامج فقهي أو فيلم ثائقي, وأن من حق المخرج أن يُدخل في المسلسل بعض التشويق والخيال و"الأكشن" خاصة وأن هذا العمل موجه للأتراك وهو يتحدث عن شخصية تاريخية تركية وهو - ارطغرل بن سليمان شاه - ولا يتحدث عن محمد بن عبد الوهاب أو عن عبد العزيز بن سعود, ومتى ما انتج آل سعود مُسلسلاً درامياً عن ملاحم ابن عبد الوهاب حينها يحق لهم أن يفرضوا رؤيتهم الدرامية على المُخرج.

على أية حال فهؤلاء السلفيون الحانقون على كرامات وخوارق ابن العربي الدرامية, هم يُشاهدون كل يوم على الفضائيات السعودية السلفية أفلام أكشن لـ عبدة الشيطان ومصاصي الدماء وبوذيين ويهود وهم يمارسون فيها الطقوس والسحر والخوارق ولم يسجلوا أي اعتراض لدى ولاة أمورهم أصحاب العقيدة النقية المزعومة !

علماً أن شخصية ابن العربي رغم ما أثير حولها من انتقادات, فقد أفادت الحبكة الدرامية في المُسلسل وخدمت السيناريو كثيراً من خلال استعانة ابن العربي بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وبعض الحوادث الصعبة التي مرت على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام, وإسقاطها على المصاعب التي واجهت قبيلة الكايلار وجعل الرسول الكريم هو القدوة الحسنة لبطل هذا القصة وبهذا يكون قد مرر رسالة إسلامية سامية عبر هذا المُسلسل.


نأتي إلى المُلاحظات الفنية التي وجهت لهذا المُسلسل؛ فقد ذكر الكثيرين أن المخرج ربما تعمد اظهار اللقطات مُظلمة ربما ليُحاكي الفترة الزمنية لأحداث ذلك المُسلسل, وبالفعل فإن تقنية التصوير بالنسبة لهذا المُسلسل كان يُمكن أن تكون أكثر إضاءةً وإبهاراً, ولو أنه جعل تلك الأجواء المُعتمة في اللقطات الليلية فقط, ثم من قال أن الأجواء والطبيعة قبل 1200 عام كان مُظلمة وتبدو رمادية؟ على العكس فقد كانت الطبيعة سابقاً أكثر اشراقاً من عصرنا الحالي, فكلما تقدم الزمن ازدادت العتمة والتلوث وانحسار المناطق الُمخضرة, وقد يعود السبب في ذلك أن المُسلسل تم تصويره في فصل الشتاء كما يتضح للمُشاهد من خلال الأمطار وأحياناً بعض الثلوج, ولهذا قد تكون الشمس في حالة أفول ولا يُمكن استخدم المرايا العاكسة لأشعة الشمس.

كما ينتقد البعض الاطالة غير المُبررة في سير بعض اللقطات, حيث كان بالإمكان اختصارها ومن ثم تقليل عدد ساعات الحلقات, ولكن هذا الأمر يدخل أيضاً ضمن سياق تحقيق الأرباح المادية؛ وذلك من خلال بيع حلقات أكثر من هذا المُسلسل, وهو أمر مباح للمنتج وللمُمثلين أيضاً.

أما أشد الانتقادات التي وجهت لهذا المُسلسل أنهُ غير دقيق من الناحية التاريخية, وأن هنالك تخبطاً في الأحداث والشخصيات وفي السنين أيضاً, وأنهُ تجاهل دور العرب بالكامل وتغاضى عن وجود الدولة العباسية وغيرها من اعتراضات أخرى.

والحقيقة كما نوهت فإن هذا العمل هو مُسلسل درامي وليس برنامجاً وثائقياً لكي يتم الالتزام بالأحداث حرفياً, خاصة وأن الدولة العباسية في هذا الوقت كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة, فقد ولد ارطغرل في عام 1191م وحينما أصبح ارطغرل قائداً لجماعة من عشيرة الكايلار وهي إحدى قبائل الأوغوز التركية (قبائل الغز) في حوالي عام 1227 - 1230م, سقطت بغداد على يد المغول في عام 656هـ - 1258م؛ أي بعد 30 عام من ترأس ارطغرل لعشيرته سقطت بغداد ولهذا لم يكن لبغداد تلك القوة أو النفوذ القوي في تلك الفترة الحرجة, بل كانت ضعيفة مُخترقة بالعملاء بحيث حينما هجم هولاكو على بغداد بـ 200 ألف جندي مغولي كان جيش الخليفة العباسي المستعصم حوالي 10 آلاف جندي فقط, وكان الخليفة حينها هو أبي أحمد عبد الله "المُستعصم بالله" الذي تولى الخلافة عام 1242م, وكان هذا الخليفة ضعيفاً رعديداً يخشى من الخوارزميين وفرح حينما اجتاحهم المغول.
 
وفي بداية عهد أو بزوغ نجم ارطغرل تم اجتياح المغول للدولة الخوارزمية وكان حينها مُجرد شاب وابناً لسيد قبيلة القايي أو الكايلار سليمان شاه, فالتحق بخدمة سلطان "قونية" السلجوقي علاء الدين, وكان المغول قد اجتاحوا خوارزم عام 1221م بعد مقاومة شرسة من قبل جلال الدين سلطان خوارزم, وقد جاء ذكر الخوارزميين في أحداث المُسلسل.

إذن لم تكن هناك خلافة عباسية مُعتبرة تسيطر على بقية الأمصار بل هناك دويلات وإمارات مستقلة مُتناثرة والأوضاع كانت مُرتبكة في كل مكان والضعف والهوان يشمل بغداد والشام, فلا نطلب من مُخرج المُسلسل أن يعمل المستحيل ليُعدل مسار الأحداث التاريخية ويجعل من هذا المُسلسل شاملاً للأحداث في جميع المناطق والدويلات خاصة وأن بطل المُسلسل وأفراد قبيلته قد تنقلوا بين ارزينجان التركية وحلب ثم أخلاط  وقونية, والمخرج حصر الأحداث في تلك المناطق المذكورة, ومثلما نحن العرب لدينا مصادرنا التاريخية الأتراك هم أيضاً لديهم مصادرهم التاريخية الخاصة, ثم من قال أننا نعرف كل شيء عن التاريخ التركي ؟

فأنا أزعم أنني أقرأ واطلع كثيراً, وقد قرأت عن عثمان ارطغرل جد العثمانيين, وقرأت مؤخراً عن الاشكالية الحدودية بين تركيا وسوريا حول قبر سليمان شاه, وذلك بعد قيام الجيش التركي بنقل رفاته قرب الحدود التركية - السورية, مع هذا لم أطلع على تاريخ "ارطغرل" هذا, فأنا أرى أن شخصية سليمان شاه وحفيده عثمان هي الأهم في هذه الملحمة إن جاز لنا أن نسميها ملحمة, لكن الأتراك لديهم مدوناتهم الخاصة ويرون أن شخصية - ارطغرل الغازي - أهم من شخصية والده سليمان شاه لهذا حاولوا تخليده بهذا المُسلسل.

ما أعنيه أن جهلنا بالشيء لا يعني عدم وجوده, مع أني اتفق مع القول القائل, لو أن القائمين على هذا المُسلسل اهتموا أكثر بمسألة الدقة في التواريخ والأحداث التاريخية لظهر المُسلسل بصورة رصينة أكثر, لكن هذا لا يمنع بأن هذا العمل التاريخي كان بداية لدراما تركية جادة بعيداً عن دراما مهند ولميس وحريم السلطان.

فما الذي استفاد المُشاهد العربي من عرض هذا المُسلسل التاريخي وما هو تأثيره على الشباب في عالمنا العربي ؟

أولاً: شخصياً أدركت أن الشعوب العربية هي شعوب درامية أكثر منها واقعية وتبحث عن بطل أسطوري يُعيد لها كرامتها حتى ولو كان عبر المُسلسلات, ولهذا يتأثر الجمهور العربي كثيراً بما يُقدم درامياً أكثر بكثير مما يُكتب ويسوق ورقياً أو يروى شفهياً من خلال الخطب والمُحاضرات.
ثانياً: العنصر العربي عموماً مغرم وشغوف بالقصص والملاحم التاريخية التي تخاض بالسيوف وتجري على ظهور الخيل, فهي تعيد لذاكرة العربي أيامه المجيدة تلك الأيام التي كان له التفوق والحضور في الفروسية والرجولة ومواجهة الأعداء وجهاً لوجه وليس من خلال الصواريخ العابرة للقارات.

وعليه فقد وجد مسلسل "قيامة ارطغرل" صدىً واسعاً لدى المُشاهد العربي وحاز على نسبة هائلة من المُشاهدات في الدول العربية وخاصة لدى شرائح الشباب, وهذا يعني أن المُسلسل نجح في إيصال رسالته السياسية الناعمة التي أراد القائمين على هذا المُسلسل إيصالها للجمهور التركي ولجمهور العرب والمُسلمين.

وهي باختصار أن الأتراك أمة عظيمة جاهدت في سبيل الإسلام وأن أسلاف الأتراك هم من فتح البلدان والأمصار بحد السيف حينما كان شعارهم (الله أكبر) والجهاد في سبيل الله, وأن الحرية والعدالة سوف تسود في نهاية المطاف, ولولا وجود الخونة من أبناء جلدتهم لما استطاع الأعداء اختراقهم وهزيمتهم قط, وعليه فالدرس المستقى من هذا المُسلسل هو أن هذه الأمة لا تهزم إلا بسبب الخيانة من الداخل, وينطبق عليها المثل القائل: (إذا كان لديك عشر رصاصات فاجعل نصيب الخونة تسعة وواحدة لأعدائك).

وقد يرى البعض أن هذا المُسلسل ذو نفس قومي ترويجي له هدف سياسي يُراد من خلاله إعادة النعرة التركية من خلال التبردع بالإسلام والتغلغل عبر أحداثه لعقول الشباب العرب والمُسلمين؛ فأقول: فليكن؛ فإن من حق الأتراك أن يروجوا لأنفسهم عبر الدراما وأن يصححوا الفكرة السائدة المشوهة عن تاريخهم ويبينوا حقيقة تاريخهم ومواقفهم للآخرين, والباب مفتوح للجميع في هذا المضمار ويستطيع المُمتعضين أن ينتجوا أفلاماً ومسلسلات ويروجوا هم أيضاً لأنفسهم من خلال الدراما, المُهم هو عدم اشغال النشء بالتوافه والمُسلسلات الهابطة التي تضخ عبر الفضائيات الخليجية.
 
وأنا شخصياً قد حفزني هذا المُسلسل في البحث أكثر في كتب التاريخ عن سيرة وشخصية - ارطغرل بن سليمان شاه -؛ وقد استفدت كثيراً من معرفة وتعلم بعض الكلمات التركية المُتداولة في هذا المُسلسل والتي تغلغلت في لهجاتنا العربية المحلية دون معرفتنا بأن أصلها كان تُركياً, علماً أن المفردات العربية طاغية بشكل كبير على اللغة التركية وتأثيرها واضح جداً في هذا المُسلسل وذلك بحكم أنها لغة القرآن وبسبب التلاقح الحضاري والثقافي بين العرب والترك خلال السيطرة العثمانية على المنطقة العربية والتي استمرت لعدة قرون.

وأيضاً من خلال هذا المُسلسل اكتشفت كثير من الكلمات المحلية التي كنت أجهل مصدرها أو معناها هي كلمات تركية صرفة, وهذا يدفعني إلى رفض عمليات الدبلجة التي تتم على المُسلسلات التركية, وأرى أن يستعاض عنها بالترجمة الكتابية وذلك من خلال وضع شريط للترجمة باللغة العربية في المُسلسلات هي أفيد للأطفال والكبار أيضاً, فالأطفال سوف يضطرون لقراءة الترجمة العربية بدافع شغفهم لمعرفة أحداث المُسلسل, وبهذا يتعلمون القراءة دون ضغط بل بإرادتهم؛ وأما بالنسبة للكبار سوف يستفيدون من بعض الكلمات التركية التي تتكرر في أحداث المُسلسل.

فعلى سبيل المثال وردت في المُسلسل كلمات كثيرة مُستعملة في اللهجات العربية أصلها تركي, وخاصة في اللهجة المصرية والعراقية والكويتية وفي المنطقة الشرقية أيضاً, فأنت مثلاً تسمع دائماً كلمة (هَم) وهي هنا لا تعني الهموم بل هي تأتي بمعنى (أيضاً أو كذلك), كالقول: (هَم أنا) أي أيضاً أنا؛ وسوف تجد تلك الكلمة تتكرر بكثرة في أحداث المُسلسل ناهيك عن كلمات ومُصطلحات كثيرة سوف أرفقها هنا للقارئ للاسفادة :

حاشى
حاشى لله
اي ما شاء الله
ما شاء الله عليك
إي والله
سلمت أو حسناً
الله رازوز
رضي الله عنك
هار شي
كل شيء
وطن
الوطن
أهاليا
الأهالي
سياسة اهلي
من أهل السياسة
مجلس
المجلس
نَفس
نَفس (نفس عميق)
بالحقيقة
في الحقيقة
حق
الحق
عدالة
العدالة
بـ أساس
في الأساس
أحمق
أحمق
مرحمة
رحمة
تمام
حسناً
موتش
مدهش
أفندم
يا سيدي
چارة
حل
رهين
رهينة
تجربة
تجربة - التجربة
مناسب
مُناسب - المُناسب
هدف
هدف - الهدف
لكن أحياناً تلفظ لاچن
لكن - ولكن
حتى
حتى
أما
أما
كافر - كفرة
كافر - كفار
فتح
الفتح - الفتوحات
ظَفر أو (زفر)
ظفر أو انتصار
احتياج
بحاجة - احتياج
خيراً
خيراً - ماذا جرى
رزق
رزق - الرزق
اعتبار
سُمعة واعتبار
صداقتنه
الصداقة أو صداقتك
جسارتنه
الجسارة أو جسارتك
جسور
الجسور - الشجاع
بركتلوس
البركة- بركة- مباركة
حلالوس
الحلال - حلال
حراموس
الحرام - حرام
عافيتوس
بالعافية-صحةوعافية
فدائوس
فداءً لك أو يفدونك
أشقياء - الأشقياء
قُطاع الطرق
شربت
شراب - أو عصير
جنازة
جنازة - الجنازة
خاين
خائن
ديوس (من يخون)
الديوث
بلطة
الفأس أو البلطة
ربيم
ربي
وكت غرديه
حان الوقت
أو وكت
متى أو في أي وقت
زيادة
كثيراً
دستور
طلب الأذن بالدخول
مسؤول - مسؤوليتن
المسؤولية - مسؤول
بابا
أبي
غردش
أخ أو أخي
افلادم - أولادم
أولاد أو ولد
بيم
سيد أو سيدي
أبله باللفظة المصرية
أختي
أَبيه باللفظة المصرية
أخي الأكبر
قسمْ
ابنتي
سنده بنده
أنا وأنت
جوك شكر
الحمد لله والشكر
يعني
يعني
براك
اترك أو دعه - دعني
هَم
أيضاً  و ثم
بلكي
ربما - عسى
البتة - هالبتة
بالتأكيد - لابد
هركيس
الجميع
تك تك
واحد واحد - فرد فرد
يوك
لا أو صيغة رفض
خبر يوك
لا يوجد خبر
يواش يواش
على رسلك-على مهل
اثباتت أو اسباتت
إدلة أو اثبات أو اثبت
سفرة
وليمة
سرايا أو السرايا
القصر
جوكشا
عاش
ايفيت
نعم أو أجل
زنقين
غني أو ثري
أصلان أو أصلهان
أسد

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صنائع الإنجليز - بيادق برسي كوكس وهنري مكماهون

نفق لص اليمامة وبقية الديناصورات السعودية تترقب