آل سعود والبحث عن معزب جديد بعد أن ركلهم الفحل الأمريكي

تغريدة المقال :@alsab3aani
« رغم انشغالي بالتحضير لكتابي الجديد إلا أن التطورات الأخيرة التي توجت أخيراً باتفاق أمريكي - إيراني توجب التعليق والتحليل, وسيكون هذا المقال بمثابة الاستراحة قبل العودة من جديد لحالة السبات الشتوي».

o      أدرك الأمريكان أن الحصار على إيران لم يعد يُجدي نفعاً في ظل وجود حكومة عراقية سخرت إمكانات العراق لصالح طهران, كما إن تداعيات الربيع العربي قد صبت في صالح إيران فقرروا عقد التسوية مع الإيرانيين ليتقاسموا المنطقة

o      بعد أن نجح آل سعود بتدمير العراق وتورطوا في الانقلاب العسكري في مصر, حولوا تركيا من موقع الحليف السني الداعم إلى خانة العدو الناقم, فلم يبق أمام آل سعود إلا التخندق مع إسرائيل والاستماتة بدعم المُنقلبين.

o      بعد انفراط عقد مجلس التعاون الملك السعودي يُحاول جر قطر من جديد إلى بيت الطاعة السعودي لكي تكف دعمها للإخوان وتساند السيسي لأن وضع المنطقة لا يحتمل المناكفات القطرية بعد التسوية الأمريكية الإيرانية.

o      وأبناء زايد صعقوا من دور قابوس السري في التسوية الأمريكية الإيرانية, حيث فشلت أجهزة محمد بن زايد في كشف ذلك الاختراق العُماني, ولم يجدوا أمامهم من مخرج إلا الترحيب بتلك التسوية وشد الرحال إلى طهران

أعز الله العرب بالإسلام فملكوا نواصي الأمم وتسيدوا العالم بعد أن كانوا في الجاهلية مُجرد قبائل مُتناحرة, والبعض الآخر كانوا أتباعاً وموالون للفرس والروم, فأكرمهم الله بنعمة الإسلام وبحمل لواء الرسالة المُحمدية الغراء فتوحدوا ووحدوا وسادوا وارتقوا بين مصاف الأمم, وحينما تخلوا عن مبادئ دينهم الحنيف وخانوا أمتهم وباعوا شرفهم أصبحوا أذناباً وأدوات رخيصة بيد أعداء الأمة ولم يعد يحسب لهم العالم أي حساب يُذكر, وأصبح قدرهم بين الأمم مُجرد برميل نفط فائض في أسواق الشره لتصريف السلع الاستهلاكية.
فلا عزة للعرب إلا بالإسلام ولا مكانة لهم بين الأمم إلا بتمسكهم بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف, ولا رئاسة وزعامة لهم إلا بخدمة المُسلمين بأمانة وصدق وليس التبردع بالإسلام زوراً وبهتاناً.

وحينما كان الروم والفرس في صراع للاستحواذ على المنطقة, لم يزاحمهم العرب لاحقاً ويزيحوهم من الأراض العربية لأنهم كانوا عرباً, بل لأنهم حملوا لواء الإسلام ونشروا العدل والمساواة بين بقية الأمم, وحين تخاذلوا واستخذوا ذهبت عزتهم وأصبحوا في آخر الركب.

وما يحدث في أيامنا هذه إلا مصداقا وتأكيداً على أن العرب باتوا يعيشون الآن في أرذل مراحل عصورهم, وما اتفاق فرس وروم اليوم ممثلين بأمريكا وأوروبا من جهة مع إيران في الجهة الأخرى إلا عودة مرة أخرى لذلك الزمن الغابر حينما كان العرب في جاهليتهم مرتهنون لهذين المعسكرين, وهاهو التاريخ يُعيد نفسه من جديد وإن تغيرت الأسباب واختلفت الوجوه.

ويُحاول آل سعود وإعلامهم الهزيل مع بقية حكام دويلات الخليج العربي اليوم أن يظهروا أنفسهم أمام الرأي العام وكأنهم ضحايا لمؤامرة وأنهم قد فوجئوا بذلك الاتفاق الأخير الذي تم بين أسيادهم الأمريكان وبين ملالي طهران, وكأن الأمر قد حدث على حين غرة وأنهم قد تعرضوا لخيانة وطعنة نجلاء من قبل الروم والفرس معاً.
وهذا الأمر غير صحيح قطعاً وهو مُحاولة بائسة ويائسة لتعزية الذات وإظهار أنفسهم وكأنهم وقعوا ضحية لمؤامرة كونية شبيهة بالمؤامرات الكونية التي ما برح بشار الأسد ونظامه الدموي يكررها على مسامعنا عبر إعلامه الممجوج, ووضع آل سعود الحالي هو كوضع ذلك التلميذ الخائب البليد الذي يجد ضالته في مسح السبورة, فهم يُحاولون جاهدين إظهار الاتفاق الأمريكي - الإيراني على أنه مكيدة كونية حيكت في الخفاء ومن وراء حُجب وأنهُ أمر قد بُيت له في ليل.


المُزرِ أن هنالك أمراء سعوديون نافذون يؤمنون بأمريكا إيماناً مُطلقاً, ويثقون بها ثقة عمياء وكأنها ربهم الأعلى, وحينما كان في السابق يُذكر أمامهم الخطر الإيراني وعمليات التسلح الحثيثة والسعي الدءوب لبناء مفاعلات نووية؟
كانوا يردون بازدراء وتهكم قائلين : (يا رجال ما عليك من هياط إيران هذولا مثل صدام يشرون ويكدسون بالأسلحة ويبنون مفاعلات نووية وفي الآخر بتجيهم أمريكا وإلا إسرائيل وتهجدهم وتدمر كل ما عمروه).
أما إعلاميو الخيبة السعودية فقد كانوا يبررون الفشل العسكري السعودي أمام التسلح النووي الإيراني, بالقول : أنظروا للشعب الإيراني كيف يُعاني من الفقر والعوز, بينما حكومتهم تبني مفاعلات غير مجدية أو فعالة وتصنع أسلحة مُستهلكة!
واليوم يتباكون وينوحون كالثكالى بسبب سماح الغرب لإيران بالتخصيب النووي! ألم يقولوا سابقاً بأنها مفاعلات نووية روسية خردة وغير فعالة؟

كانوا بدرجة من الغباء والسذاجة لم يصل لها حتى مُتخمو بنو الأحمر في الأندلس, فكان رهانهم على ماما أمريكا وقدراتها الخارقة لا يطاله أي شك, فقد كانوا عبيداً لأمريكا بكل حواسهم, وكل من يعتقد أن آل سعود سيُعادون أمريكا فهو واهم ولا يعرف طبيعة العقلية السعودية المُستلبة, لأن العلاقة بينهم كانت علاقة عابد بمعبود.
وأما أمريكا فحالها حال كل الامبراطوريات الطامعة والدول الكبرى الطامحة, فحين تخور قواها وتضعف تتراجع ولكنها تبحث عن فرص مُناسبة لعقد صفقات سياسية مُجزية تحقق لها مصالحها الحيوية دون خسائر بشرية, وهي قطعاً لن تتخلى عن مصالحها في الخليج ولكنها مُضطرة للسماح للإيرانيين بمقاسمتها بعض الكعكة في مناطق نفوذ اخرى في منطقة الخليج.

فحين يكون للأمريكان زواج مسيار مع سعودية فهذا لا يمنع من عقد نكاح متعة مع أخرى إيرانية, دون أن يتخلوا عن خليلتهم السعودية وإن كانت غير مُغرية لكنها تملك المال وسوق استهلاكي للأسلحة والبضائع الأمريكية.
وهلع السعودية اليوم من تلك التسوية ليس لأن إيران ستحتل السعودية مثلاً؟ بل قلقهم يكمن في أن إيران خرجت من الطوق وستتحرر من الحصار وتنطلق وتصبح هي القوة المُسيطرة, وهي شرطي المنطقة القادم كما كان الشاه يفعل سابقاً, وحينها لم يكن الشاه يحتل السعودية ولكنه كان يُرعب آل سعود, ومن يرجع لتلك الفترة يلمس ذلك التقزم السعودي أمام الشاه.


وكل من يظن أن الإيرانيين سيُضحون بمفاعلاتهم النووية فهو حالم ولا يفهم العقلية الإيرانية, فالإيرانيون سُمح لهم العالم بالتخصيب بنسب معينة, وهذا يعني أنهم حققوا أهدافهم المرسومة من خلال الاعتراف الدولي, أي السماح لهم بالتخصيب المشروع وبهذا يكونوا قد خرجوا من عنق الحصار وأصبحوا قوة إقليمه مُتفردة في المنطقة.
ودرجة الاحباط والفضل وصلت بأتباع آل سعود للقول بأن السعودية سيشتري قنبلة نووية من باكستان لتردع إيران, والبعض الآخر قال أن السعودية ستبدأ ببناء مفاعل نووي, وسيكون هنالك سباق نووي بالمنطقة!
وهؤلاء لا يدركون أن الحصول على القنابل النووية من أطراف أخرى شبه مستحيل لأنها ليست سلع جاهزة للبيع, لأنها تخضع لرقابة وحصر وحساب ومتابعة دولية, وأن باكستان ليست حُرة في إعارة أو منح قنبلتها النووية للسعودية أو غير السعودية, وأن خلفها الهند التي تُقيد باكستان وتجعل السلاح النووي لكلا الدولتين مقيد ومحسوب للردع فقط, وخلفهم أمريكا التي تراقبهم بحزم, والقذافي سبق له وأن مول المفاعل النووي الباكستاني في بداياته وحين صنعت باكستان قنبلتها قلبت ظهر المجن للقذافي وأفهمته أن القنبلة الباكستانية هي لباكستان فقط ولردع الهند, والأمر سيكون مشابه بالنسبة لآل سعود.

وأما بناء المفاعلات النووية فهي ليست عملية سهلة ومُتيسرة وإلا لبادر الجميع بإنشاء المفاعلات النووية, ويكفي أن مفاعل إيران بدأ منذ أيام الشاه, وتوقف أثناء الحرب العراقية – الإيرانية واستكمل في نهاية الثمانينيات ولحد الآن لم يكتمل, أي بدء الإيرانيون فعلياً بمشروعهم النووية منذ 25 عام ومازال العمل جارياً فيه.
فكم سيحتاج آل سعود من السنوات لكي ينشئوا مفاعلا نووياً ليردعوا إيران؟ للعقلاء فقط
وكنت أنا العبد الفقير قد كتبت مراراً وتكراراً ونبهت منذ حوالي الـ 10 سنوات تقريباً, عن سعي إيران لتحقيق حلمها الأزلي بإنتاج قنبلة نووية واحدة فقط لتحصين نظامها, وأن اقتسام المنطقة بين إيران والغرب قادم لا محالة, وسبق وأن نوهت بأن هنالك احتمالين متوقع حدوثهما سيُقرران مصير ذلك الخليج النفطي بعد أن دُحر الجيش الأمريكي في العراق, وقلت حينها أن السيناريو الأول : هو أن تشن أمريكا وإسرائيل وحلفائهما بتمويل خليجي حرباً مُدمرة على إيران وتسحق مفاعلاتها النووية وتحطم جيشها المُتضخم, وذكرت أن هذا السيناريو غير واقعي وبات بعيد المنال لأن الجيش الأمريكي اصبح مُرهقاً ومُهلهلاً بعد أن تعرض لأضرار هائلة وهزائم مريرة في جبهتي أفغانستان والعراق.

وأما السيناريو الثاني والمُتوقع حدوثه : هو أن تتقاسم أمريكا النفوذ في منطقة الخليج مع الإيرانيين كما كان يفعل الإنجليز, وتقبل واشنطن بوجود دور جديد لشويش إيراني مُعمم هذه المرة بدلاً من شرطي الخليج السابق محمد رضا بهلوي.

والغزل الأمريكي الإيراني قديم ولا يحتاج لمن يدعي أنه كشف المستور وأنه مرفوع عنه الحجاب وقد سبق الآخرين بالرؤيا, بل موجود منذ صفقة «إيران غيت» وقد ترسخ ذلك التعاون بين الطرفين أثناء عملية احتلال العراق, ويكفي أن يعرف القارئ الكريم أن أحمدي نجاد هو الرئيس الوحيد في العالم الذي زار بغداد وهي مُحتلة ودخلها محمياً تحت حراب الأمريكان, وبعيداً عن الشعارات الثورية الإيرانية المُستهلكة على غرار «الموت لأمريكا والشيطان الأكبر» وبالمقابل أطروحات أمريكا المزاجية والمُصنفة لدول «محور الشر», فالأمريكان حين احتلالهم للعراق كانوا يقتسمون كعكة العراق مع الإيرانيين وليس مع أي طرف آخر.


وأذكر أنني شاهدت فيلماً سينمائياً أمريكياً قبل حوالي الـ 14 سنة أي قبل غزو العراق بأربعة أعوام, وكان اسم الفيلم (ثلاثة ملوك - Three Kings), وكما عودتنا صناعة الأفلام الهوليوودية في الاستعراض والمُبالغات وجعل الأمريكي سوبرمان خارق, فقد كان يتحدث سيناريو ذلك الفيلم عن جنود أمريكيين دخلوا لجنوب العراق بحثاً عن سبائك ذهبية مزعومة, وكعادة الأمريكان في حبكاتهم الدرامية اضطر هؤلاء المارينز الخارقين إلى مساعدة الشيعة العراقيين الثائرين على صدام وأنقذوهم من براثن الجيش العراقي, ولكن اللقطة الأخيرة في ذلك الفيلم الاستعراضي تختصر كل ما جرى في العراق لاحقاً, وذلك حينما جلب هؤلاء الجنود الأمريكيين مجموعة من الشيعة العراقيين الهاربين من ملاحقة قوات صدام حسين إلى الحدود الإيرانية, ثم قاموا بتسليمهم لمركز حدودي خاص بالحرس الثوري الإيراني, وقد حيا الجنود الأمريكان نظرائهم الجنود الإيرانيين بطريقة تدل على علاقة الشراكة والندية في تقاسم العراق من قبل أن يُحتل.

ويبدو أن أمريكا قد أدركت جيداً أن حصارها لإيران لم يعد يُجدي نفعاً بعد أن تحول العراق في ظل حكومة المالكي إلى منطقة نفوذ وسوق ورافد مالي هائل للحكومة الإيرانية, فقررت أن تتشارك مع إيران في غنيمة نفط الجنوب العراقي, وتقتسم كعكة مشاريع الاعمار العراقية بدلاً من أن تلتهمها إيران لوحدها.

ولهذا لاحظنا الأتراك يعقدون صفقات شراكة نفطية مع أكراد العراق رغم العداء الأزلي مع الكُرد, والسبب أنهم أيقنوا بأن إيران قد استحوذت على نفط الجنوب, ولابد أن يغرفوا هم أيضاً من نفط الشمال, لاسيما وأن الأتراك يعتبرون العراق من ضمن ولايات الإرث العثماني.

وعليه فإن التسوية الأمريكية الإيرانية لم تكن جديدة أو مُفاجئة كما يروج لها البعض, بل الجديد في الأمر هو إظهارها على العلن وهي موقعة من الجهتين, وإلا فالشراكة كانت قائمة بين الطرفين, والأمريكان عادةً يفاوضون القوي ويحتقرون الضعيف, ولنا في كوريا الشمالية خير مثال.

وكنت قد قرأت مُستقبل الأحداث القادمة وذكرت أن السعودية سوف تبحث لها عن فحل حامي جديد بعد أن يهجرها الكابوي الأمريكي مُضطراً, وتوقعت حينها أن يحتمي آل سعود في نهاية المطاف بأبناء جلدتهم الإسرائيليين, وأذكر حينها أن بعض الإخوة وجدوا في تحليلي المذكور مُبالغة وعدم واقعية, لأن أمريكا لا يُمكن أن تتخلى عن مصالحها في الخليج وتقتسم الكعكة مع أعدائها الإيرانيين, وأن آل سعود مهما بلغت بهم الوقاحة فلن يجرؤوا على التحالف العلني مع الإسرائيليين, وحتى إن كانت لهم علاقات سرية مع تل أبيب من تحت الطاولة.

ولكن ها قد أحيانا الله فعشنا وشفنا, ورأينا كيف باعوهم أسيادهم الأمريكان إلى الإيرانيين مُقابل قشر بصل, وهاهم السعوديون اليوم يتخندقون مع الإسرائيليين, ورأينا كيف يتماهى البندورة مع النتن ياهو وكيف أصبح الطرفين في مأزق وحرج شديد, وباتا يسعيان لحلف عسكري جيوسياسي للبحث عن مخرج لتلك المعضلة, وصراع الإسرائيلي - الإيراني هو صراع نفوذ وليس صراع وجود كما يعتقد البعض.


والمشكلة ليست في نكوث أو انقلاب أمريكا على أتباعها ووكلائها في المنطقة, بل المعضلة في عقلية أولئك الرعاع الذين يعتقدون أن أمريكا كفيلة دائمة بهم وأنها جمعية خيرية أو ربما هي الأم الحانية تريزا!
وينسون أن مصالح الدول لا تقف عند حدود ولا تتوقف عند العواطف ومشاعر الأشخاص حتى لو كانوا أسر خانعة مُستميتة في خدمة الأمريكان, ففي الدول الحقيقية والحكومات الرشيدة يتم عادةً التخطيط الاستراتيجي والتهيئة للمُستقبل, ولا يُراهن أي حاكم رشيد على حماية الأجنبي أو على هراوة الغريب الطامع مهما بلغت فيه درجة السذاجة والغباء, ولكن ذلك الحرص والتأهب يحدث في الدول الرصينة والمُحترمة وليس في كيانات المزارع الهزيلة والمحميات الكرتونية الخائبة.


والأمريكان ومن قبلهم البريطانيون لم يذخروا شيء في التخطيط وتوفير الحماية لتلك الأنظمة الوظيفية الهزيلة في منطقة الخليج العربي ولعقود طويلة, إلا أنهم لم يحثوهم على بناء جيوش حقيقية أو إنشاء مراكز التخطيط والدراسات الاستراتيجية, لأنهم يريدون من أولئك الوكلاء على تلك المزارع أن يبقوا دائماً وأبداً تابعين خانعين لهم, وأن لا يعتمدوا على أنفسهم ولا على مقدرات شعوبهم, عكس الإيرانيين الطامعين المُتطلعين لإعادة أمجادهم الساسانية وأحلامهم الكسروية الغابرة, فهؤلاء راهنوا على قدراتهم المحلية الذاتية واتخذوا قراراتهم العُليا وتحركاتهم السياسية بناءً على مصالحهم وعلى أسس وتخطيط مدروس ووفق مبدأ المُقايضة وتبادل المصالح, واعتمدوا بذلك على القوة العسكرية الضاربة وعلى أجهزة استخبارات مُختصة وموجهة للخارج تغلغلت في دول الجوار لخلق أحزاب ضاربة وأتباع موالون مذهبياً لتحصين البلد, فبنوا سياساتهم وفق خطط وتوصيات مدروسة جاءت وليدة من خلال مراكز دراسات استراتيجية مُهمتها تسهيل وتأمين كيان الدولة في كافة المجالات.
فالإيرانيون كانوا يخططون بمهارة ويعملون وفق دراسة وخطط خمسينية وليست خمسية, فهم مثلاً لم يكتشفوا فجأة وجود حزب الله في عام 2006 وقرروا دعمه؟ بل هم من أنشأ ذلك الحزب قبل أكثر من ثلاثين عاماً, ولهذا أصبح الذراع الإيراني الضارب في لبنان وفي بلاد الشام عامة.
ولكن بالمقابل ماذا لدى دويلات الخليج والسعودية تحديداً؟

نجد أن لديهم أضعاف ما لدى إيران من إمكانات مالية ومجال للتحرك الدولي بلا قيود أو حصار, ولديهم أيضاً أجهزة رصد وتجسس وعناصر بشرية ومراكز دراسات أمنية, ولكنها كلها موجهة إلى الداخل فقط, أي مُسلطة على رقاب أبناء الشعب المغلوبين على أمرهم وليس على الخارج!

فمراكز دراسات الاستراتيجية الأمنية والسياسية في السعودية ودول الخليج هي مُختصة فقط بتتبع ومُلاحقة المواطنين, ومُهمتها اختراق الحركات الإسلامية وملاحقة المُعارضين وسبر أغوار أفراد المُجتمع ومُحاولة اختراقهم وتغيير مفاهيمهم, كي لا يُشكلوا خطراً مُحتملاً على حُماتهم ورعاتهم الخواجات, ومن ثم إعطاء تلك المعلومات الاستخبارية السرية الحساسة لسادتهم لأمريكان والبريطانيين للاستفادة منها في مُحاربة المُسلمين في حروبهم العبثية ضد ما يُسمى بالحرب على الإرهاب.

فهل توجد أجهزة مخابرات أو استخبارات سعودية أو خليجية أو حتى عربية لها قيمة وفعالية وتأثير, لتضاهي أجهزة المُخابرات الدولية أو الإسرائيلية أو حتى الإيرانية؟ لن تجدوا وإن وجدت فهي تابعة ومُرتهنة للـ CIA والـ MI6.
بينما هنالك أجهزة أمن وقمع داخلية محلية تتفوق على جميع أجهزة الأمن في العالم, والسبب أن تلك الأنظمة الوظيفية الخائبة تعتبر المواطن هو العدو الأول للنظام الحاكم, وأما العدو الخارجي فأمريكا وبريطانيا مُتكفلتان به, ولكن ماذا سيحصل حينما يتفق السيد الأمريكي مع ذلك العدو الخارجي؟

وقتها سيأكل الحاكم الخليجي الخازوق الأمريكي على مضض, وحينها يبدأ بالشكوى والتحسر مُتجرعاً المرارة والخيبة, ثم يحمل أطراف أخرى مسؤولية فشلة وتخاذله وانبطاحه للأجنبي طوال تلك العقود دون أن يطور نفسه أو يبني له جيش محلي رادع يكفيه مؤنة الأجنبي.


ولكن بعيداً عن بناء الجيوش وتصنيع الأسلحة الرادعة, السؤال البسيط هو هل لدى آل سعود أو دول الخليج مراكز دراسات خاصة بالشؤون الإيرانية كونهم يدندنون صبح مساء من أن إيران هي العدو الأشرس لهم في المنطقة, وأن لديها مطامع وتطلعات في دويلات حوض الخليج العربي, وهي تحتل جزر عربية ومُتهمة ايضاً بتصدير أفكارها المذهبية لدول الجوار؟
بل هل لديهم مراكز دراسات خاصة بشؤون العدو الإسرائيلي كون كيان إسرائيل الصهيوني هو عدو للعرب والمُسلمين؟
لن ولن تجد في أنظمة المحميات الخليجية ومزارع السير بيرسي كوكس مركز دراسات واحد رصين ومُختص في الشؤون الإسرائيلية أو حتى الإيرانية, بل بالعكس هنالك مكاتب تجارية ودبلوماسية إسرائيلية في عدة دول خليجية.
وربما يأتي مُتنطع فيقول أن السعودية لديها بعض مراكز الدراسات في الداخل والخارج؟
أقول نعم, لديها مراكز علاقات عامة يُطلق عليها تجاوزاً اسم مراكز دراسات مثل «المركز العربي الأوربي للدراسات» المسخ ومقره باريس, والذي يرأسه بوق عتيق يُدعى صالح بن بكر الطيار, مهمته شراء ذمم السياسيين والإعلاميين الغربيين من خلال جلبهم إلى السعودية بعيداً عن ضوضاء السفارات السعودية ومُشاكسة وسائل الإعلام, لأنهم يخشون من الرصد والمُتابعة, فيقوم المركز المذكور بمهمة العلاقات العامة وتهيئة الأمور ودفع تكاليف تلك الرحلات وثمن التذاكر وحجز الفنادق في السعودية بعيداً عن أعين الحكومات الغربية, تلك هي مهمة المركز العربي الأوربي المنكوس.

وهنالك أيضاً وكر أمني آخر يُطلق عليه تجاوزاً اسم مركز دراسات مزعوم وهو «مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية» والذي يترأسه كبير الدبابيس اللواء المُتقاعد أنور ماجد عشقي صاحب شهادة دكتوراه البقالات, والمتعهد الخاص بآل سعود بلقاء الإسرائيليين سراً في الأردن.

ولا ننسى أيضاً عش الدبابير الخاص بالـ CIA المُسمى بـ «مركز المسبار السعودي» ومقره في دبي, والمُختص في مُتابعة المواطنين الخليجيين من ذوي التوجهات الإسلامية ومهمته ترجمة التقارير الأمنية خاصة عن التيارات الإسلامية وعلاقتها بالتنظيمات الجهادية, والذي أنشأ خصيصاً ليسبُر أبناء الحرمين الشريفين تحديداً.
وغيرها من مراكز سعودية وخليجية أخرى مُختصة بما يُسمى الأمن الوطني ودراسات الإرهاب, كلها مُسيرة من قبل أجهزة المخابرات الغربية وموجهة ضد الشعوب العربية في الخليج وضد المواطنين, وترسل تقاريرها الاستخبارية السرية إلى أجهزة المخابرات الدولية.

ومثل تلك الأنظمة الخائبة لا تأبه بمعرفة ودراسة ما يدور في جوارها الإقليمي, ما يُهمها فقط هو مُتابعة ورصد المواطنين في الداخل, وأما الخارج فأجهزة وجيوش ماما أمريكا مُتكفلة به, هكذا توهموا حتى وقعت فأس أمريكا برؤوسهم النخرة الخاوية, فأضاعت مسابيرهم البائسة طريقها ولم تفلح بسبر أغوار العلاقات الأمريكية الإيرانية لأنها كانت موجهة للداخل وليس للخارج.

إذن شعور آل سعود المرير جراء الخذلان الأمريكي الأخير, لم يكن مُستغرباً أو مفاجئاً للمُتابعين بل كان متوقع الحدوث منذ فترة, لكن مسابير هؤلاء الحمقى كانت فارغة وهوجاء تتبع السراب ولا ترى أبعد من باحات قصور طوال الأعمار, فصحيح أن الأمريكان يقومون بحماية العروش والكروش منذ حوالي الـ 70 عام, أي منذ أن تسلموا حضانة آل سعود من قبل مُرضعتهم الإنجليزية, ولكن لسان حالهم اليوم يقول لآل سعود : خلاص اكبروا وتصرفوا كالبالغين, وتحملوا مسؤوليتكم يا أطفال الأنابيب. Grow up Al Saud

ولكن ماذا تصنع في أسرة مليئة بالعاهات ومزدحمة بالمومياءات ومُتخمة ومحشوة بالغباء والاستخذاء وماذا تعمل في حكم مزعوم مازال يحتفل بمرور مائة عام على عمالته وتبعيته, ولحد الآن يرون أنفسهم مُجرد أطفال رضع يبحثون عن رعاية وكفيل غربي يوفر لهم الحضن الدافئ ليكون لهم كالأم الرءوم, وتلك التربية الخائبة للأسف هي من مخلفات التاج البريطاني الذي عودهم على سياسة Mother Care, ففسدت أخلاقهم وأصبحوا في حالة من الدلع والعبث الطفولي المؤذي حتى لرعاتهم الجُدد الأمريكان.

فقد بلغ العبث والطيش السعودي أن حطموا حتى البلدان التي يُمكن أن تناصرهم وتقف معهم في أوقات المحن والشدائد, فأصبحوا مثل الطفل المُدلل العابث الذي إن غضب حطم ألعابه وكسر كل شيء يقف أمامه, فخربوا العلاقات مع أقرب الحلفاء إليهم, فما عسى أمريكا أن تصنع مع عقول بقرية نزقة تعودت على التخريب والتدمير, وإلا ما مصلحة آل سعود من دعم انقلاب عسكري في مصر وإدخال البلد في قلاقل وفتن وهم يدركون جيداً أن أي ضعف لدور مصر سيصب في صالح إيران التي أصبحت قوة متفردة بعد تدميرهم للعراق؟
وما مصلحة الحمقى آل سعود في إثارة العداء مع تركيا والتحريض على رئيسها المُنتخب وهم يدركون جيداً أنهم ليسوا بكفء لمواجهة إيران المُتأسدة, وتركيا كانت عبر التاريخ هي الدولة الرادعة والكابحة لجماح دولة فارس؟

وكالعادة فإن الملك السعودي يريد أن يُحمل أخطائه الكارثية الأخيرة ويعلق فشله على الدور القطري رغم المُحاباة القطرية لآل سعود, فقطر باتت بالنسبة للسعودية شماعة تُعلق عليها كل خيبات وإخفاقات آل سعود, فقد طلب عبد الله بن عبد العزيز من أمير الكويت أن يجلب أمير قطر الجديد ليتدارسوا التطورات الأخيرة في المنطقة, والغرض الحقيقي هو اعادة قطر إلى الحظيرة السعودية بعد أن تراجع دورها في عهد الأمير الجديد, ولهذا تم جلب أمير قطر لكي يُبلغ أن الوضع بات حرجاً في الخليج, وأن من مصلحة دول الخليج والسعودية وقطر أن تنتهي القلاقل في مصر, وعلى قطر أن تكف دعمها للإخوان المُسلمين وأن تمارس عليهم الضغوط ليقبلوا بالأمر الواقع ويتقبلوا الانقلاب كي تعود مصر مُستقرة قوية لتواجه إيران بالنيابة عنهم كما فعل من قبل صدام حسين, ثم ضحوا به.
والحقيقة أن السعودية أصبحت مُثقلة مادياً جراء دعمها المالي للانقلابيين وإذا استمر الوضع المصري على ما هو عليه فإن الوضع المالي السعودي سيصبح حرجاً, وعليه فلابد أن تحسم القضية المصرية سريعاً, ويرى الملك السعودي أن أمير قطر هو وحده القادر على تسوية المسألة من خلال ممارسة الضغوط على الإخوان المسلمين من خلال يوسف القرضاوي.

وقد أصبح جلياً أن الأمير الشاب قد وقع في مأزق حرج منذ قيام الانقلاب إذ ليس لديه الخبرة الكافية لدعم الحكومة الشرعية في مصر ولا يتقن فن المناورة السياسية, لأنه غير متمرس ولم يُختبر من قبل ولم تعد لديه رؤية مُستقلة بعد أن ارتمى بأحضان آل سعود منذ بداية توليه الإمارة, ولهذا لم يحسن كيفية الخروج من تلك الأزمة الحرجة, خصوصاً أن وزير خارجيته هو الآخر شخص ضعيف ومندفع, فهو صاحب المقولة الهزيلة : «عندما تغضب تربك العالم». وكان يعني بها سعود فيصل الذي يعتبره القدوة له.
ولا أدري ماذا سيجني خالد العطية من غضب سعود فيصل الآن بعد أن خرجوا معاً من المولد بلا حمص؟

ويبدو أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة كمن أزاح حمل ثقيل عن كاهله بعد زوبعة الثورات العربية, ورمى بذلك الحمل على أكتاف ولده وتركه وحده يخوض في لجاج بحر متلاطم, حيث سلمه زمام السلطة في ظل وضع مُرتبك وتداعيات خطيرة حدثت قبل وبعد توليه الإمارة.
فظن الابن واهماً أن العملية يسيرة ويُمكنه تسيير الأمور دون مشاكل أو منغصات, ونسي أن الأوضاع الدولية قد تغيرت وأن الخارطة السياسية تبدلت خلال أشهر معدودة.

وأما التكتل الخليجي فقد بدأ ينهار وينفرط عقده, فعُمان قد عودت هذا المجلس منذ تأسيسه أن تغرد خارج سربه, لكن دور السلطان قابوس الأخير في التسوية الأمريكية - الإيرانية الأخيرة فاجئ آل سعود وصعق آل نهيان, حيث أدركوا أن قابوس كان يعمل بصمت ويعد الطبخات السرية مع الإيرانيين على نار هادئة, وتلك الطبخة كان مذاقها مراً وغير مُستساغ للإماراتيين الكارهين لقابوس, وقطعاً لم يُعجب طعمها آل سعود.


أما أبناء زايد فقد فاجئوا هم أيضاً الملك السعودي بالرغم من أنهم متماهون مع آل سعود في محاربة الإخوان المُسلمين, ومع أن جزرهم مُحتلة من قبل إيران, إلا أن ترحيبهم السريع بالاتفاق الأمريكي - الإيراني قد كدر آل سعود, وختموا ذلك الترحيب بزيارة مفاجئة من وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى إيران!

حيث صرح عبد الله بن زايد قائلاً : «لقد كنا على الدوام شريكاً لإيران ونعتزم اليوم ايضاً ان نكون شريكاً اقوى من ذي قبل». (أمال بتعيطوا كل يوم على جزركم المُحتلة ليه)
ثم أعرب عبد الله بن زايد عن تقديره الكبير للمساعي التي بذلت لإنجاح المفاوضات النووية الاخيرة في جنيف 
!

فإما أن يكون عبد الله بن زايد قد جنى أرباح ومصالح لدويلته من ذلك الاتفاق النووي, لا نعرفها, ولهذا فهو سعيد أكثر من الإيرانيين بذلك الاتفاق, أو أنه وصل لمرحلة من التملق والتزلف جعلته يبدو إيرانياً أكثر من الإيرانيين.
والسؤال هو : لما استأسد أل نهيان وخاصة عبد الله بن زايد على الحكومة المصرية المُنتخبة برئاسة محمد مرسي, وتآمروا عليه وقد حاربه عبد الله بن زايد شخصياً, بينما حكومة مصر لم تعتدي على أرضه ولم تحتل جزره, مع هذا فقد شد رحاله إلى طهران ليقدم التهاني وفروض الطاعة والولاء, ويتذلل للإيرانيين ويتملقهم وكأنهم أصحاب فضل عليه لأنهم يحتلون جزره؟
أنهُ الخوف والهلع ولا يشك, فقد عدنا إلى أيام قيصر وكسرى لا أعادها علينا من أيام تعسة.


وأما معتوه آل سعود فبعد أن خربها وقعد على تلتها ذهب كعادته إلى روضة خريم ليُمارس هوايته المعهودة, وإلا فأي عاقل سيسأل ما الذي استفادة عبد الله بن عبد العزيز من مشاركته ودعمه لسفك دماء المصريين الغلابة وهم السند والداعم لحكومته؟

وماذا جنى هذا التعس من خبثه وشروره وهو في أرذل العمر وعلى عتبات القبر, سوى الاثم والعدوان والعار والخسران.

يُمكن الرجوع لكتابي السابق الذي أصدرته قبل أربع سنوات وهو بعنوان - ملوك وأتباع -للإطلاع على سيرة ومسيرة حكم عبد الله بن عبد العزيز العفنة, والتأكد من حقيقة ذلك الملك المزعوم الذي لم يجلب للعرب والمُسلمين سوى الكوارث والدمار, فشخصت حالته حينما كان الجميع يطبل ويزمر له, وعلى رأس هؤلاء المطبلين تنظيم الإخوان المسلمين الذين كانوا آخر ضحاياه.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2013-11-30

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صنائع الإنجليز - بيادق برسي كوكس وهنري مكماهون

نفق لص اليمامة وبقية الديناصورات السعودية تترقب

مسلسل «قيامة ارطغرل» ولادة جديدة للدراما التركية الهادفة