لمحة عن كتابي الجديد: البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية

ويكيليكس الفاضحة تسبر أغوار المراخنة وتبوح بمكنوناتهم السرية

وجريمة تدمير اليمن سوف تلاحق آل سعود وآل نهيان إلى قيام الساعة

كُنت قد أعلنت قبل حوالي ثلاث أسابيع عن صدور كتابي الجديد - البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية - بطبعته الإلكترونية والذي يحوي على 2000 برقية وتقرير استخباري سري خاصة بوزارة الخارجية السعودية للفترة ما بين عام 2009م إلى حوالي العام 2014م, وكانت جهة ما قد سربت تلك الوثائق الرسمية السرية إلى مقع ويكيليكس المشهور, وقام أصحاب ذلك الموقع بنشرها بتاريخ 19 يونيو من عام 2015م.
وقد وضحت في الكتاب ماهية تلك الوثائق ونسبة البرقيات والتقارير الاستخبارية المُهمة منها وغير المهم أيضاً والغالبة على تلك البرقيات؛ وذكرت أنها المرة الأولى التي يطلع فيها الجمهور على وثائق نظام دكتاتوري بوليسي قمعي خدين لأمريكا والغرب قبل زواله, بل لدينا تجارب فاشلة مع الأنظمة التي سقطت أبان الحراك الشعبي العربي, ولاحظنا كيف استطاعت تلك الأنظمة التخلص من وثائقها السرية وإعدام كل مُتعلقاتها في الدقائق الأخيرة قبل السقوط.
وربما كان من حُسن حظ آل سعود أن تلك الوثائق قد تم نشرها بطريقة عشوائية وصورة مُشتتة فضاعت البرقيات المُهمة بين صفحات آلاف البرقيات الإدارية والإجرائية غير المهمة, ولهذا كانت مُهمتي عسيرة, إذ قُمت بترتيب الوثائق وتنسيق الصفحات بعد أن قرأت أكثر من 10 آلاف وثيقة خلال عام كامل, واستطعت أن أُسلسل 2000 وثيقة وبقي لدي ضعفي هذا الرقم ما زالت تحتاج لترتيب وتنسق في الصفحات فأجلت أمر تلك البرقيات إلى حين التفرغ.
ورغم الاجهاد الكبير الذي مررت به وأنا أتصفح آلاف البرقيات منها الدسم ومنها العادي والغير مهم, إلا أنني استفدت كثيراً في معرفة سيكولوجية آل سعود وإدراك أسباب التخبط السياسي المزمن الذي يقع به المراخنة على الدوام في سياستهم الخارجية.
فقد ازدادت خبرتي ومعرفتي بسياسة هذا النظام الغاشم الفاشل الذي يتخبط بسياسته الخارجية منذ عقود ومازال للآن يتخبط, وأن تسمع وتقرأ عن سياساتهم الخرقاء وعن طوامهم غير أن تقرأ وثائقهم الرسمية السرية المدونة من قبلهم والموقعة بأختامهم فتتأكد عن كل ما قيل ويُقال عنهم.
وقد تناولت في مُقدمة هذا الكتاب هوية الجهة التي يتوقع أنها تقف خلف ذلك الاختراق الكبير, وذكرت بالنسبة لي كباحث ومُختص بالتاريخ لا يُهمني من تكون تلك الجهة التي أقدمت على هذا العمل (الذي قد يُصنفه البعض على أنه عمل غير قانوني), لأن ما يُهمني هو الحصول على الوثيقة الرسمية لأفعال النظام وتصرفاته لتكون شاهداً على أفعاله وعلى سياساته الخبيثة التي دمرت العرب والمُسلمين بأمواله ودعمه للمشاريع الأمريكية في المنطقة.
وإن كانت الفترة الزمنية لتاريخ إصدار تلك الوثائق لا تتجاوز الخمسة أعوام فقط, ورغم عشوائية النشر والشكوك بأن الجهة التي قامت بتسريب تلك الوثائق قامت بفلترة تلك الوثائق لمصلحتها الخاصة وربما رفعت وثائق سرية تخصها, فهذا لا يُهم فما جاء في تلك الوثائق المُبعثرة (الشر الكثير) الذي اقترفه آل سعود ضد الشعوب والأمم.
فكل دولة من الدول لها حصة وافرة من برقيات سعود فيصل ومُراسلاته السرية مع أعمامه, إضافة إلى تقارير الخادم مقرن الاستخباراتية (حينما كان مقرن بن عبد العزيز يشغل منصب رئيس الاستخبارات السعودية)؛ ويُمكن كل دولة أن تجمع الوثائق الخاصة بها بمُجلد كبير للاستفادة منه في وزارة الخارجية للدول المعنية, ولكن هذا الأمر يحتاج لفريق عمل مُتفرغ وليس لجهد فردي مُستقل كما هو حالي؛ مع هذا فأزعم أنني قد أبليت بلاءً حسناً إذ استطعت ترتيب وتنسيق حوالي 2000 برقية ومثلها مازال قيد الترتيب.
وأرجو أن يجد القارئ المُهتم والشغوف بالإطلاع على الوثائق الرسمية ضالته في كتابي هذا, والذي آثرت فيه أن أترك الوثيقة هي التي تتحدث عن نفسها, مع تقديم بسيط لكل موضوع أو وثائق مُتعلقة ببلد ما أو برقيات وتقارير عن شخصيات مُعينة, والكتاب حافل بالبرقيات الدسمة التي تظهر المعدن الحقيقي للنظام المرخاني السعودي.


طبعاً هناك وثائق سرية مهمة لكثير من الدول لكني لم أفردها كلها هنا بل سأتناول في هذا المقال بضع برقيات عن الشأن اليمني, كون اليمن السعيد قد تحول - بجهود المراخنة آل سعود وحلفائهم آل نهيان وبتواطؤ من الخونة من اليمنيين - إلى يمن مُدمر ينهش شعبه الجوع والمرض, وقد كان الغرض الحقيقي من هذا العمل الشيطاني هو تمزيق اليمن والحصول على أطماع سياسية مريضة وممرات برية نحو بحر العرب, فدفع الشعب اليمني البسيط ثمن هذا الدمار الشامل ومازال المُرتزقة من كلاب آل سعود في اليمن يهتفون لمن دمر بلادهم وقتل نسائهم وأطفالهم مع نشوة القات المضروب.
فمثلاً هناك برقيات تتعلق بالإخونجية توكل كرمان صاحبة جائزة نوبل للتحريض على شعبها المسكين الذي ذاق ويلات الحرب بسبب نرجسيتها وحماقات عبد ربه منصور هادي الفندقي, وكيف التقت بمندوب الوفد السعودي في الأمم المُتحدة وبدأت تحرض السعوديين على خصومها وخصوم الإخوان.
 وكلنا يذكر حكاية سكان الخرخير في الربع الخالي وهم غالبيتهم من قبائل "المهرة" الذين لم يعرفوا الحدود قبل سايكس بيكو فكانوا هم أهل تلك الديار المقسمة لاحقاً لثلاث دول إذ لا جنسية مُستحدثة تُحدد هويتهم سوى أنهم كانوا يتبعون لسلطنة المهرة فيما مضى, وقد استغل آل سعود توزع أهالي الخرخير بين المناطق الحدودية, إذ كان الخرخيريون يقطنون على الحد الفاصل بين اليمن والسعودية فبدأ آل سعود بالعبث بهم وشراء الولاءات والاستقطاب الهوياتي, فمنحهم الملك فهد في حينه جوازات سفر سعودية (دون إصدار هويات نفوس) من أجل التوغل في ممر بري ضيق نحو بحر العرب بين اليمن وعُمان مُستغلاً تشظي اليمن إلى شمالي وجنوبي, حينما كانت الحدود بين عُمان واليمن لم تُرسم بعد, وكان آل سعود يُريدون مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء على سواحل بحر العرب.
 
وبعد الوحدة اليمنية سارعت عُمان واليمن لترسيم الحدود بينهما بعد أن أيقن الطرفين معاً بأن تلك المنطقة التي تفصل بينهما باتت منطقة رخوة وتسمح بتدخل السعوديين في أي وقت ما لم تُرسم الحدود بين البلدين ويغلق الطريق أمام الطامع فهد, وقد تم الاتفاق بين السلطان قابوس وعلي عبد الله صالح ورُسمت الحدود بين بلديهما وتم التوقيع على تلك الاتفاقية في صنعاء في الثاني عشر من نوفمبر عام 1992م, وتبخرت أحلام الملك فهد, وبقي سكان الخرخير مُعلقين ولم تفي حكومات آل سعود المُتعاقبة بتنفيذ وعودها للخرخيريين.
 
طبعاً سيأتي من يُنافح بالقول: يا رجل وما حاجة آل سعود لممر بحري وهم لديهم موانئ مُتعددة على سواحل الخليج العربي, ولديهم أيضاً موانئ وساحل طويل على البحر الأحمر, وهل ضاق عليهم البر والبحر لكي يتسللوا عبر ممر ضيق إلى بحر العرب ؟
أقول:  أن جميع المياه الإقليمية السعودية محكومة بمضايق هي لا تملكها, فالخليج العربي تتحكم به إيران عبر مضيق هرمز, والبحر الأحمر مُحكوم بمضيق باب المندب في الجنوب وقناة السويس شمالاً, بينما لو حصل آل سعود على ممر بري بين عُمان واليمن فسوف يُصبح لديهم ميناء وبحر حُر مفتوح لا تتحكم به المضائق, فإن أرادت ناقلات النفط السعودية التوجه للأمريكيتين تتجه إلى جهة اليمين وتبحر نحو أمريكا, وإن أرادت ناقلات النفط تتوجه إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية, تتوجه ناقلاتها إلى اليسار نحو آسيا, أو حتى إلى قارة أستراليا فإنها تُبحر مُباشرةً دون المرور بأي مضيق دولي أو تخضع لأي تهديد إقليمي يتحكم بتلك الممرات البحرية, ولهذا فإن الحصول على هذا الممر هو حلم سعودي كان ومازال يُراود المراخنة, وقولي هذا تسنده وثائق الخارجية السعودية السرية.
ولكن بعد أن أفلس آل سعود من الحصول على ممر بري بذريعة وجود مواطنين سعوديين يقطنون في تلك المنطقة المُمتدة إلى سواحل البحر, بدؤوا بالبحث عن صيغة معينة لإيجاد منفذ بحري عبر أراضي اليمن أو عُمان, ولا أظن أنهم كانوا يسعون لمد أنبوب للنفط فقط عبر أراضي هذين البلدين ودفع إيجار لهذا الأنبوب, بل كانوا يبحثون عن طرق ملتوية وانتهاز فرص واستغلال الظروف الإقليمية, والدليل أنهم رغم حاجاتهم الماسة للممر حسب برقياتهم السرية فإنهم لم يوقعوا أي اتفاق مع عُمان أو مع اليمن حول هذا الشأن, بل وجدنا تدميراً هائلاً لليمن والسعي لتفتيته واستقطاب رؤوس عفنة من الجنوب اليمني أصبح مقرها الدائم فنادق الرياض لتسهيل تلك المهمة القذرة, وهذا يُفسر السعي المحموم للحصول على ذلك الممر البري نحو بحر العرب.
فما يحدث اليوم في اليمن هو التمهيد لتفكيك اليمن الموحد وتشظي مناطقه, حينها سيزحف آل سعود نحو موانئ اليمن المُطلة على بحر العرب وهم مُطمئنين بزعم توفير المساعدة والمؤن للشعب اليمني, وسيتم ذلك بتأييد وموافقة من قِبل بعض اليمنيين الذين استعبدهم آل سعود بسلطة الريال السعودي, ولهذا سارع السلطان قابوس قبل شهرين بمنح الجنسية العُمانية إلى بعض الأسر المُتنفذة في جنوب اليمن ليؤمن حدوده مع اليمن, ولكنه لن يستطيع كبح التوغل السعودي في داخل الأراضي اليمنية في حال سلم بعض اليمنيين أرضهم لآل سعود طواعية كما سلموا لهم مفاتيح مدنهم حينما بدأت الحملة الجوية على اليمن.


وأنا استغرب من تركيز قناة الجزيرة فقط على الدور الإماراتي في مُحاولة السيطرة والاستحواذ على ميناء عدن والمخا وتجاهلها التام للمطامع السعودية للسيطرة على بعض الموانئ المُحاذية لسلطنة عُمان المُطلة على بحر العرب, علماً أن الإمارات ليس لها حدود مُحاذية لليمن كما هو حال السعودية لكي تشكل خطورة, والإمارات لن تستطيع أن تفعل شيئاً داخل اليمن ما لم يكن لها دعم سياسي ولوجيستي من قِبل السعودية صاحبة النفوذ على بعض القبائل اليمنية التي باعت شرفها من أجل الريال السعودي, وما أن تعلن السعودية هزيمتها المُنكرة في اليمن فسوف تفر الإمارات في اليوم التالي من الأراضي اليمنية.
إذن لا خوف على اليمن من الاحتلال الإماراتي المزعوم, بل الخوف كل الخوف هو من الخبث والكيد السعودي الذي يسعى لتفتيت اليمن من أجل تحقيق الحلم بالحصول على الممر البري للوصول من خلاله إلى بحر العرب.
بالمناسبة هناك أيضاً عدة وثائق رسمية سعودية تتعلق بالخلاف الإماراتي - السعودي حول خط الأساس البحري الذي رسمته السعودية لتحديد حدودها البحرية مع الإمارات, وكيف سعت السعودية لإحباط مساعي الإمارات في تفعيل قضيتها في الأمم المُتحدة, ربما يكون هو مادة المقال القادم.

ملاحظة: الكتاب يسوق على موقع Payhip بجزأين :



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صنائع الإنجليز - بيادق برسي كوكس وهنري مكماهون

نفق لص اليمامة وبقية الديناصورات السعودية تترقب

مسلسل «قيامة ارطغرل» ولادة جديدة للدراما التركية الهادفة