نجدت أنزور وتوثيق سيرة عبد الإنجليز بن سعود سينمائياً

(أنهـار عبـد العزيـز بـن سـعود وأخـذ يتـودد ويتـوسـل مُعلنـاً أن السـير بيـرسـي كـوكـس هـو أبـوه وهـو أمـه, وأنـهُ هـو الـذي صنعـه ورفعـه من لا شـيء إلـى المكانـة التـي يحتلهـا, وأنـهُ علـى اسـتعداد لأن يتخلـى عـن نصـف ما يملكـه بل كلهـا إذا أمـر السـير بيـرسـي بذلك). من كتاب – الكويت وجاراتها – لضابط الإرتباط البريطاني السابق العقيد ”هارولد ريتشارد باتريك ديكسون” (H.R.P. Dickson).

تأتي تصريحات المخرج السوري المُثير للجدل نجدت أنزور حول تلقيه إخطارات قضائية من قبل شركة مُحاماة بريطانية تتهمه بجرم التشهير والإساءة لأسرة آل سعود, وذلك بعد انتهائه من انتاج وإخراج الفيلم السينمائي (ملك الرمال), والذي يتناول سيرة الملك السعودي السابق عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود, وربما جاءت تصريحات أنزور مُتأخرة عمداً لكي تفعل فعلها وتعمل دعاية مجانية للفيلم المُرتقب, والذي سيعرض الشهر المُقبل في عدة مهرجانات سينمائية.


وبما أن المنطق يقول لا يجوز انتقاد شيء لم يطلع عليه أحد, ولا يُمكن إيجاد عيوب ومساوئ على فيلم لم يُعرض بعد, ولأنني لستُ خبيراً في الأمور الفنية سواء حركة الكاميرا أو الحبكة الدرامية وهي من مهام أهل الاختصاص, إلا أنني سوف أتطرق للمسائل الظاهرة التي أعُلن عنها والتي تختص بالخطوط العامة للفيلم المزمع عرضه قريباً, والتي أرى أنها غير مُشجعة لأسباب سوف أعرضها وأرى أنها ستكون ذات وجاهة لدى القارئ النبه واللماح.

ولكن هذا لا يعني الحكم النهائي ولا يمنع أن أشكر المخرج السوري على جراءته وإقدامه على طرق المسالك الوعرة واقتحامه المحظور في عالمنا العربي المنافق والمُحابي, رغم خلافي الشديد مع بعض تصورات أنزور السينمائية ذات المسحة الغربية.

وأنا أقدر لنجدت أنزور هنا تجربته مهما كانت مُختلة, إلا أنها قطعاً ستكون بمثابة تعليق الجرس, وستتبعها مُحاولات عديدة, وأنا أتفهم أيضاً العراقيل والعقبات التي وضعت وستوضع أمام عجلة كاميرته السينمائية وشيء متوقع أن يتم التغبيش والتشكيك في ذلك الفيلم, لأن لدي تجارب كتابية واجهت المنع والحجب وهي مُجرد كتابات مُتواضعة, فما بالك بإنتاج فيلم سينمائي توثيقي, وللأسف قضيت عامين أبحث عن دار نشر لكي تطبع لي كتاب تاريخي يتناول تاريخ آل سعود!

وعليه فإن الاقدام على مشروع توثيق تاريخي برؤيا أخرى مُختلفة عن الرؤية الرسمية السائدة, ومخالفة السائد من عمليات التطبيل والتدبيج ومسح الجوخ, والجرأة في انتاج فيلم يتناول سيرة أسرة حاكمة طفيلية متغولة, لديها سلاح المال والإعلام والعلاقات العامة سوف يُعتبر مخاطرة كبرى لكل من يقدم على هكذا عمل جريء.

ولنأتي الآن للمؤاخذات العامة على بعض خطوط مشروع الفيلم, ولنتساءل هنا بحيادية, هل كانت فكرة الفيلم ناضجة فعلاً, أم أنها طُبخت على عجل؟

وهل سيكون فيلماً وثائقياً أو على الأقل مطعم باللقطات الوثائقية فتنتفي عنه صفة فيلم السيرة أو الدراما الشخصية؟

أما إذا كان الفيلم درامياً بالكامل وسيتناول السيرة والمسيرة الشخصية للعميل الإنجليزي العتيد عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود, فالأمر يحتاج لإلمام تام بتاريخ نجد وبسيرة آل سعود وكيفية مجيئهم للحكم, وهذا يتطلب إطلاع ودراسة وبحث وربط للأحداث وقراءة كافة ما كتب عن فترة القرنين الماضيين من كُتب المؤرخين النجديين وكذلك كُتب الرحالة الأجانب الذين زاروا منطقة نجد سواء كانوا جواسيساً أو مُكتشفين أو عابري سبيل وسياح, وهذا الأمر يحتاج لعدة كُتاب ومُترجمين وليس كاتب واحد مهما بلغ إلمامه, فهل أخذت تلك الاحتياطات في الحسبان؟

ثم هنالك نقطة مهمة جداً ولها علاقة بالأحداث السياسية الدائرة الآن, وهي هل جاءت فكرة أو مشروع انتاج فيلم سينمائي يتناول حياة عبدالإنجليز عفوية ومُخطط لها منذ وقت كافي, أم أنها وليدة الأحداث السياسية الحالية, فتمخضت بسبب الصراع السوري السعوقطري؟


فإذا كان السبب هو الثاني فإن مشروع أنزور سيفشل حتماً مهما بلغ من جهد ورصانة, لأنهُ نجاحه سيتوقف على قرار سياسي, فاليوم بشار الأسد وآل سعود أعداء ويكيد بعضهم إلى بعض ويتشاتمون عبر وسائل الإعلام, وغداً سوف يتصالحون ويحتضن بعضهم بعضاً, فيؤمر نجدت أنزور أن يُجمد نشاطه ويُعلب فيلمه حتى لا يضر بعلاقات الإخوة الأعداء, وأنزور تحديداً لديه تجربة سينمائية سابقة فشلت لأنها ربطت بالمواقف السياسية؟

فسبق للمخرج السوري نجدت أنزور أن أخرج فيلماً عالمياً ضخماً بعنوان "الظلم - سنوات العذاب" والذي ألفه الرئيس الليبي السابق معمر القذافي, والذي كان يتحدث عن مرحلة الاستعمار الايطالي الفاشي البغيض لليبيا، وحينما تصالح القذافي مع الطليان, وقرر صديقه سلفيو برلسكوني دفع التعويضات للضحايا عن فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا, صدرت الأوامر العليا في طرابلس بإيقاف مشروع الفيلم وهو مازال في مُنتصف الطريق, وبقي العمل مُعلقاً لأنهُ اعتمد على المواقف السياسية وليس على القناعة والمبادئ.

وصحيح أن فيلم أنزور الجديد (ملك الرمال) قد انتهى التصوير فيه, وهو على أبواب العرض, لكن هل سيضمن أنزور أن الأوضاع السياسية القائمة ستبقى كما هي عليه الآن؟

فسبق وأن قال بشار الأسد مُصطلح – أنصاف الرجال – وهو يعني بها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وأتباعه في لبنان, وحينما تصالح بشار مع أولئك الأنصاف والأرباع جاء إلى لبنان في طائرة الأطرم المنصوف وهو يمسك بيده ويوزع الابتسامات!

فمن يدري ربما غداً سيتصالح بشار مع آل سعود ويبقى فيلم أنزور في الأرشيف كما أصبح فيلم "الظلم", هذا من الناحية السياسية العامة.

أما من ناحية أبطال الفيلم واختيار الشخصيات؟

فلو كان المخرج والمُنتج غربياً أو أمريكياً لتفهمنا أن يكون أبطال الفيلم من الطليان أو حتى الأمريكان لكن ما الداعي حينما يكون المُخرج عربي – سوري ومع هذا يكون بطل الشخصية الذي سيؤدي دور عبد الإنجليز وهو شاب, ودوره وهو كهل هما ممثلان إيطاليان؟


فهل أراد أنزور أن يحصل على بطاقة دخول إلى هوليوود من خلال اختيار أبطال أجانب له شهرة وحضور؟ ولماذا لم يختار أنزور أبطاله من المُمثلين السوريين أو المصريين أو الممثلين العرب حتى؟

فهل المقصود من مشروع الفيلم هو الجمهور العربي أم الجمهور الغربي؟

فما الحكمة حينما يظهر لنا أنزور, العميل السعودي الجاهل عبد العزيز في هذا الفيلم وهو يرطن بالإنجليزية, ثم تظهر للمُشاهدين ترجمة أو دبلجة لما يقول!

وهل يُدرك أنزور أنهُ لو أخرج الفيلم وأظهر عبد العزيز وهو يتحدث بلهجة نجدية وعلى سجيته, ومعه أحد ’الخواجات’ يترجم له لأظهر الكثير من الاسقاطات على تلك الشخصية الانتهازية الوصولية؟

ثم هل اطلع المخرج نجدت أنزور على مذكرات ضابط الارتباط البريطاني السابق العقيد ”هارولد ريتشارد باتريك ديكسون” (H.R.P. Dickson), في كتابه – الكويت وجاراتها – الذي كان يتقن اللغة العربية بطلاقة ويقوم بالترجمة بين المندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس, وبين العميل الإنجليزي الرخيص عبد العزيز بن سعود؟


فمن خلال الضابط ديكسون تتضح شخصية ذلك العميل السعودي الرخيص بجلاء, فتجده تارةً يبكي وتارةً يعترف أن الإنجليز هم صنعوه من لا شيء, وأخرى تراه يُوبخ من قبل سيده كوكس كتلميذ بليد, تلك هي الصورة الحقيقة لعبد الانجليز صنيعة التاج البريطاني, والذي كان يتلقى راتباً سنوياً قدره 5000 آلاف جنيه إسترليني. فيا رخص العملاء!

فلو أختار المخرج أنزور شخصيات أجنبية للقيام بأدوار رئيسية كان لها دور أساسي ومؤثر في حياة عبد الإنجليز بن سعود, كشخصية المندوب السامي السير بيرسي كوكس, أو دور السير هنري مكماهون أو ضابط المدفعية الذي قُتل في معركة – جراب – الكابتن وليام هنري شكسبير أو الضابط هارولد ديكسون, لكان الأمر بدا احترافياً.

وهل يعلم القارئ أن هنالك صراعاً وتنافساً كان قد نشأ بين المندوب السامي التابع للحكومة البريطانية في الهند ثم في العراق لاحقاً السير بيرسي كوكس, وبين المندوب السامي في مصر السير هنري مكماهون, فكل منهما يريد أن يسجل انتصاراً سياسياً على صاحبه ويُقدم خدمات جليلة للتاج البريطاني, فالسير مكماهون تبنى الشريف حسين وأقنع رؤسائه في لندن أن الشريف سيكون رجلهم في الحجاز وفي كامل جزيرة العرب, بينما السير بيرسي كوكس كان يُصر على أن رجلهم سيكون عبد العزيز وكان يجد دعماً وتأييداً من قبل حكومة الهند الإنجليزية, وأستمر الصراع مريراً بين هذين الضابطين, إلى أن رجحت كفة كوكس على مكماهون, وذلك بعد أن أصبح الشريف حسين مزعجاً للانجليز ويُطالبهم بوعودهم فقرروا أن ينحوه جانباً ويسلموا زمام جزيرة العرب إلى عبدالإنجليز أو "معزي أخو بوسي". (ملاحظة سيأتي تفصيل كامل لذلك الصراع في الجزء الثاني من كتابي بإذن الله).


وقد يجد المخرج أنزور العذر في عدم اختياره لمُمثلين عرب ليكونوا أبطالاً لفيلمه الجديد, كون أغلب الممثلين العرب غير مُستقلين ورعاديد لا يجرؤون على القيام بأدوار جريئة يعتبرها آل سعود أعمال عدائية ضدهم, فيخسروا الكعكة البترودولارية أو على الأقل كي لا يحرموا من الظهور على وسائل الإعلام السعودية والخليجية معاً, كما حصل مع المُمثلة المصرية - سوسن بدر - التي أدت دور الأميرة السعودية القتيلة في الفيلم الذي انتجته إحدى المؤسسات الإعلامية البريطانية والذي حمل عنوان ( مقتل أميرة) وهو فيلم وثائقي جسد حكاية الأميرة السعودية مشاعل بنت فهد وهي حفيدة محمد بن عبد العزيز, التي هربت مع صديقها ابن أخ السفير السعودي السابق في لبنان علي الشاعر, وقد تم القبض عليهما لاحقاً في المطار, فتم قتل الأميرة مشاعل وقطعت رقبة صديقها الشاعر.

وقد تم منع سوسن بدر وزميلها نبيل الحلفاوي وغيرهم ممن قاموا بأداء الأدوار في ذلك الفيلم من دخول الأراضي السعودية, وبقيت سوسن بدر محرومة وممنوعة أعمالها من العرض على القنوات السعودية لمدة طويلة حتى بات أغلب المُنتجين يتحاشى التعامل مع سوسن بدر حتى لا تمنع مسلسلاته في دول الخليج والسعودية, ثم عادت من جديد للظهور على الشاشات السعودية بعد أن اعتذرت عن دورها المذكور في ذلك الفيلم الممنوع لحد الآن من التداول.

رابط للفيلم المذكور – مقتل أميرة – على موقع اليوتيوب :

http://www.youtube.com/watch?v=kDUsKJTkOaE
ورب قائل يقول لماذا لم يختار المخرج السوري أنزور ممثلين سوريين من الموالين للنظام السوري لتأدية دور عبد الإنجليز وهم كُثر, ولما لم يختار الممثل السوري جمال سليمان الذي سبق وأن أدى عدة أدوار تاريخية, وهو سبق وأن قام بأدوار بدوية, وكان بإمكانه أن يتدرب على اللهجة النجدية ويؤدي دور ذلك العميل الإنجليزي العتيد؟


لكن السؤال هو هل سيقبل المُمثل السوري جمال سليمان في أن يقوم بدور سينمائي يُغضب آل سعود وهم يحرصون في كل مُناسبة على دعوته هو وأسعد فضة وغيرهم من المُمثلين لحضور مُناسباتهم واحتفالاتهم, فقبل فترة كان جمال سليمان من ضمن المدعويين لحفل زفاف دلوعة الجوهرة الأمير السعودي عبد العزيز بن فهد الشهير بـ عزيز.

ومن يدري فربما يربأ جمال سليمان بنفسه من تقديم أدوار ساقطة ومنبوذة كأدوار العملاء والخونة, لكي يُحافظ على مسيرته الفنية, وهو الذي سبق له وأن أدى أدواراً تاريخية مؤثرة كدوره في مُسلسل - صقر قريش – حيث أدى دور الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل.

ومهما يكن فنحن للآن لم نطلع على محتوى الفيلم ولا يمكننا أن نحكم على فحوى وأحداث الفيلم بالفشل أو النجاح دون مُشاهدة ذلك العمل السينمائي, ولكني شخصياً أتمنى أن يظهر الفيلم واقعياً وبعيد عن الصور النمطية التي يراها الغرب في كل مجتمع عربي أو شرقي, وكأنه اقتباس من حكايات ألف ليلة وليلة.

فليس المهم أن يُغازل المخرج الغرب ويداعب مشاعرهم ويكسب قلوب جمهورهم, بل الأهم أن يُثبت جدارته خلف عدسة الكاميرا وينقل لهم وجهة نظر مُجتمعه الحقيقة دون رتوش أو مُبالغة أو تملق, فحتى الفيلم الأمريكي - مملكة السماء - الذي أخرجه المخرج ألأمريكي ريدلي سكوت وصور في المغرب, والذي أدى دور صلاح الدين الأيوبي فيه المُمثل السوري غسان مسعود, كان الفيلم مليء بالمُبالغة والخيال وتطغى عليه النظرة الغربية الفوقية للعالم العربي والإسلامي, فهم ينظرون للعرب على أنهم عبارة عن صحراء قاحلة وخيل وجمال ورجال ملثمون ونساء منقبات وأحداث غير موثقة تاريخياً, بالإضافة إلى إظهار الفرسان الصليبيين وفرسان المعبد وكأنهم أبطال الآلهة الأسطوريون, فهم مخلدون دائماً ولا يموتون وحياتهم بقدر ما هي عابثة فهي سرمدية, وكأنك تشاهد فيلم من انتاج بوليوود الهندية!

وأخشى أن تكون النظرة الجديدة المُحدثة للعرب في الأعمال القادمة عبارة عن أمير مُتخم عابث, وآبار نفط وشعوب جبانة تتبع ذلك الملك أو الأمير الرعديد الذي يُقاد ويُحرك من قبل السيد الأبيض أو سيدة سمراء كـ كودندي التي تتحكم بهؤلاء الرعاع من الأسر الحاكمة, تلك أصبحت صورة نمطية وإن كانت واقعية.


من المتوقع أن يشن الإعلان السعودي هجوماً إعلامياً على المخرج السوري نجدت أتنزور, وقطعاً سوف تثور ثائرة أذناب آل سعود وكلابهم النابحة وسوف يتهمونه أنهُ مخرج سوري علماني ليبرالي مجوسي شيعي رافضي إخونجي, وينسون أنهم سبق وأن تعاملوا معه فيما كان يُسمى بمُحاربة الإرهاب, وأنهُ سبق له وأن أخرج لهم مُسلسل يصب في صالح النظام السعودي, وهو مُسلسل (الحور العين), إذن عندما يُخرج أنزور ما يوافق هوى آل سعود فهو مُخرج مُحترف ومرضي عنه, وحينما يمس الذات الإلهية المرخانية يكون قد كفر وخرج عن الملة السعودية!

وعلى أية حال سننتظر عرض الفيلم الجديد لأنزور وأتوقع شخصياً أننا سنراه قريباً على موقع اليوتيوب, وقد آن الأوان ليعرف الشعب تاريخ أحفاد مرخان وحقيقة تلميذ بيرسي كوكس الخبيث.

وأخيراً ها هو السحر قد انقلب على الساحر ولا عزاء لكلاب عبيد الإنجليز.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2012-04-17

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صنائع الإنجليز - بيادق برسي كوكس وهنري مكماهون

نفق لص اليمامة وبقية الديناصورات السعودية تترقب

مسلسل «قيامة ارطغرل» ولادة جديدة للدراما التركية الهادفة