ليلة القصف الإعلامي على تميم

ما الذي حدث خلال زيارة دونالد ترامب إلى الرياض لينقلب آل سعود فجأة على ربيبهم تميم ؟
آل سعود أدركوا أن هنالك فرقاً شاسعاً بين عهد الأب حمد وبين عهد الابن تميم لهذا استهدفوه
الإخوان المسلمون هم عقدة المنشار وبزوالهم ستزول كل المشاكل والمناكفات بين دول الخليج
الخاسر الأكبر في تلك المواجهة هي قناة الجزيرة؛ فقد اكتشف جمهورها أنها تُعاني من الخنث الإعلامي
ربما من حسن حظ القارئ أنني لا أميل إلى أي الفريقين المُتصارعين وأعني فريق آل سعود من جهة؛ وفريق آل ثاني من الجهة الأخرى, ولهذا سيجد القارئ الكريم في طرحي نوعاً ما الشيء الجديد أو على الأقل أنني لا أُحابي طرف على حساب طرف آخر ولا توجد لدي خطوط حمراء ولا برتقالية ولا أتلقى تعليمات من أحد لأني أقدح من رأسي وغيري يقدح باسم الريال أو بدافع الايدولوجية ونصرةً للجماعة, ولهذا أزعم أن كثير من القراء ولا أقول كلهم سوف يقبلون رأيي وإن اختلفوا معي لأنهم سيجدون في ظل تلك المعمعة والارتزاق من يكتب دون تحيز أو املاء أو مصلحة خاصة وهذا يكفيني.
وفي البداية يجب أن أعتذر من القارئ الملول لأنني سوف أطيل في المقال كما هي عادتي, وهذا الأمر هو عيب منهجي أعاني منه ربما بسبب تخصصي في التاريخ فلا أُحسن الاختصار ولا أُحبذ الابتسار في كتابة المقالات, وعزائي أنني مُقل في الكتابة وهذا ما يشفع لي لدى القارئ الكريم.
سوف بدأ أولاً مع آل ثاني وأناقش سبب تنازل الأب حمد لولده تميم؛ وهل أفلح الابن بأن يكون رباناً صالحاً لسفينة صغيرة في وسط محيط هائج وأن يستقر بها رغم الموج المتلاطم بعد أن تسلم الدفة من الأب؟
أولاً: للآن لا توجد معلومات دقيقة وصحيحة عن سبب تخلي الأب حمد لابنه الأصغر تميم عن الإمارة أو المشيخة, رغم مرور 4 سنوات على تولي الأخير الحكم في قطر.
وقد تضاربت الأخبار عن سبب التنازل وطبعاً لا يوجد من بين تلك الأسباب الانقلاب أو التخلي القسري كما ادعى البعض كنوع من النكاية, لأن الحقيقة أن الأب حمد هو من تنازل طوعاً عن الحكم لولده تميم, ولكن السبب وراء ذلك التنازل سيبقى مجهولاً إلى حين.
من ضمن الروايات التي راجت حينها: أن الأمير يُعاني من مرض عضال وهو ينتظر منيته وقد بدا عليه تداعيات ذلك المرض الخطير فآثر أن يتنازل بسرعة لولده لكي لا يحدث خلاف وتصارع على الإمارة في حال وفاته المُفاجئة.
وذلك الادعاء أثبتت الأيام بطلانه ومازال الأمير السابق حمد بن خليفة حي يُرزق وبكامل صحته وقواه العقلية, وأما ما ظهر عليه حينها من هزال وضعف؛ فكان بسبب الرجيم القاسي الذي اتبعه طوعاً في محاولة للقضاء على السمنة المُفرطة التي يُعاني منها.
إذن تلك الحجة بطلت؛ وأما الإدعاء الآخر فقد كان سخيفاً كما بيّنت حيث زعم خصومه بأنه تعرض لضغوط من قبل زوجته وولده لكي يتنازل له عن الحكم, وتلك كانت إشاعة هزيلة روجها الإعلام السوري ولم تصمد أمام المُتابعين الرصينين.
أما الإدعاء الأكثر حصافة؛ فهو الزعم بأن الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت بقوة حين بدأت الثورات العربية تُجهض بجهود سعودية إماراتية وبتأييد أمريكي خفي, ولهذا فقد نصح الأمريكان الشيخ حمد بأن يتنازل لولده لكي تستقر المنطقة ويُغلق ملف الثورات ويهدأ غضب آل سعود الذين يشعرون بالنقمة على دور قطر في إشعال فتيل تلك الثورات ويحاولون الانتقام من الأمير حمد, خصوصاً بعد التسريبات الصوتية له ولحمد بن جاسم مع معمر القذافي.
وهذا الادعاء وإن كان بدون أي وثائق فهو أكثر واقعية وقابل للتصديق, لأن حمد قد تنازل لولده وأخذ معه ابن عمه المحرك للسياسة القطرية حمد بن جاسم, أي أراد أن يبدأ ولده عهداً جديداً بعيداً عن عهده (البائد) إذا صح لنا أن نُسميه بالعهد البائد.
إذن كان انسحاب الأب من السلطة اضطرارياً مبنياً على مخاوف من حلف سعودي - إماراتي - بحريني لأزالة حكم آل ثاني من الوجود سواء بانقلاب عسكري عبر بعض الضباط القطريين الموالين للسعودية أو حتى عن طريق تدخل عسكري خاطف من قبل النظام السعودي.
وهذا الأمر سيبقى مُجرد توقع, وإن بررت بعض وسائل الإعلام الموالية لقطر بأن تنازل الأب للابن جاء وفق رغبة وقرار قديم يُراود الأب حمد بنقل دفة القيادة إلى جيل الشباب الجديد, وقد واتته الفرصة بعد الثورات العربية فزهد بالحكم وتنازل لولده تميم.
لكن يبقى السؤال الأهم وهو: هل كان اختيار حمد لولده تميم للحكم مُناسباً؟ وهل نجح تميم في الخروج من تلك الأزمات سالماً بعد أن غير جميع سياسات الأب؟
أو بالأحرى يكون السؤال معكوساً: هل كانت سياسات الأب حمد خاطئة لكي يُصححها الابن تميم؟
فكلنا يذكر بعد مرور عام تقريباً على ولاية تميم, أي في 05\03\2014م حصلت أزمة دبلوماسية كبيرة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين, مما حدا بهؤلاء إلى سحب سفرائهم من الدوحة؛ وقد تأزمت الأمور بين آل سعود تحديداً وبين تميم, وكان الخطوة السعودية التالية تقضي بإغلاق الحدود البرية مع قطر ومنع تحليق الطائرات المدنية القطرية في الأجواء السعودية.
فسارع تميم حينها إلى أمير الكويت صباح الأحمد طالباً منه الفزعة وأن يقوم بدور الوسيط مع آل سعود, وأنهُ مُستعد لتنفيذ طلباتهم وعدم اغضابهم أو إثارة حفيظتهم لا في قناة الجزيرة ولا في أي منبر له علاقة في قطر.
كان عبد الله حينها في الرمق الأخير, أي في حالة مرضية مُزرية ويبدو أنه لم يرغب برد صباح الأحمد الذي قدم إلى الرياض بطائرته الخاصة ومعه تميم على نفس الطائرة, حينها قام عبد الله بتقريع تميم وكأنه طفل صغير أساء التصرف مع الكبار, واستمع تميم لتلك المحاضرة التقريعية من قِبل عبد الله وكله آذان صاغية, وبعدها لفلفت تلك الأزمة المُفتعلة وعادت المياه إلى مجاريها, ليس هذا فحسب بل تحول تميم تابع مُطيع لآل سعود يطبل لهم في قناة الجزيرة حتى تحولت إلى قناة سعودية رسمية, بل إن قناة العربية السعودية باتت تخجل من نفاق وتزلف قناة الجزيرة لآل سعود.
فقام تميم في عملية اخصاء عاجلة لقناة الجزيرة, وقام بفتح قناة العربي في لندن لعزمي بشارة, لأن آل سعود كانوا مُنزعجين جداً من وجود بشارة في الدوحة خاصة بعد ظهوره في الحلقة المعروفة مع علي الظفيري وتحدثوا بكلام خاص ظانين أنهم خارج البث المباشر.
كما تم فتح قنوات فضائية خاصة للإخوان المصريين ولم يعودوا يظهروا على قناة الجزيرة, وبدأ البعض منهم يجد في تركيا ملاذاً آمناً أكثر من قطر, وبهذا هدأت فورة آل سعود لكنها لم تنتهي.
رأى البعض من آل سعود أن الملك عبد الله قد تسرع بقبول وساطة صباح الأحمد, وكان بإمكانه الضغط أكثر على تميم وتعريته بالكامل ومن ثم توقيعه على شروط قاسية قبل عودته للحظن السعودي, لكنهم بلعوا ذلك الصلح المؤقت على مضض بسبب الحالة المرضية لعبد الله ولم يرغبوا في إزعاجه أو تكدير صحته وقبلوا بعودة تميم مُقابل ذلك التقريع الذي تلقاه من عبد الله.
وبقي موقف تميم السابق الذي ورثه من أبيه غصة في حلق سلمان وولده وفريقه الجديد وأرادوا أن يجرعوه السم الزعاف انتقاماً من أبيه, لكن تميم أخجلهم بخضوعه وخنوعه وانصياعه الكامل وتملقه لهم وتحويله قناة الجزيرة لبوق سعودي, بل أرسل قوات تشارك في اعتدائهم على اليمن بحجة مُحاربة إيران في عدن وتعز, بينما الحرب على ملالي طهران لا تحتاج إلى مشوار طويل وقتل وتجويع أطفال ونساء اليمن, بل جزر الإمارات تبعد بضعة كيلومترات فقط والحزم المزعوم سيكون في طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى وليس في قلب صنعاء.
لقد كان هذا الأمير الجديد تميم عكس أبيه تماماً في كل شيء؛ فهو يُريد أن يبدأ عهد جديد مُسالم خاص به ينصاع وراء آل سعود وبنفس الوقت هو غير قادر على التخلص من عهد أبيه المُستقل المُصادم, لهذا فقد أخطأ الأب باختياره ليكون خلفاً له, بل ربما سيكون هذا الخيار من أكبر الكوارث التي ستحسب على عهد الأب حمد,
فالأب كان سياسياً ماكراً واكتسب خبرة واسعة في إدارة الملفات المُعقدة وآثر أن لا ينصاع لإملاءات آل سعود لأنهُ يعرف من أين تؤكل الكتف وأدرك كل نقاط ضعفهم, ولهذا لم يقبل منهم بالإهانة حتى ولو كلفته المليارات, ولا أظنه كان سيقبل الوضع الحالي الذي عليه ولده, أما الأبن تميم فصاحب شخصية ضعيفة وهو مُغرم بكرة القدم كثيراً, والبعض يرى أن نقطة ضعف تميم الحالية هي أنه تم صرف مليارات الدولارات في سبيل إنشاء الملاعب من أجل استضافة المونديال عام 2022م؛ وأن سبب رضوخه لآل سعود هو خوفه من مُقاطعتهم وتخريبهم لمونديال الدوحة بمعنى أنه سيبقى خاضعاً لهم لمدة 5 سنوات قادمة.
أي أن الابن تميم قد رضخ لتلك الاملاءات من أجل كرة القدم إن صحت تلك الادعاءات, بينما الأب كان على استعداد لدفع المليارات في سبيل أن لا يخنع أو يرضخ لآل سعود.
لكن السؤال هو لم اندلع هذا الخلاف فجأة بعد مُغادرة ترامب للرياض وبعد أن استقبل آل سعود تميم في قمة الرياض بصورة طبيعية جداً, وكان بإمكانهم أن يرفضوا قدومه أصلاً من البداية إلى تلك القمة وبهذا يكونوا قد حيدوه ونبذوه ؟
أيضاً لا يوجد سبب واضح ومُعلن لردة الفعل السعودية المُفاجئة تلك ضد جارهم تميم, ولكن هناك عدة أسباب سابقة جعلت آل سعود يختارون هذا التوقيت ليشنوا تلك الحملة الشعواء ضد تميم.
شخصياً أعتقد أن آل سعود أجلوا عملية تصفية الحساب معه بعد انتهاء القمة, فلم يرغبوا أن يشوشوا على زيارة ترامب, وكان همهم الأول هو انجاح القمة واستقبال سيدهم وأسرته في أجواء فرح وسرور واحتفاء لا تكدره أي حوادث أو مُلاسنات, ويبدو أنهم قد تحملوا حضور تميم للقمة على مضض وتجاهلوا وجوده إعلامياً إلى أن تنتهي فعاليات القمة, وبعد أن غادر ترامب وهو يحمل في جعبته حوالي 450 مليار دولار صبوا جام غضبهم على قطر (الحيطة المايلة).
والدليل على أن وفد تميم أُستقبل بشكل طبيعي ضمن بقية الوفود؛ كما أن ترامب منح لكل رئيس دولة مدة 20 دقيقة للالتقاء به شخصياً في قمة الرياض في يوم 21\05\2017م, وكان تميم ضمن من التقى بهم ترامب لمدة نصف ساعة تقريباً, فما الذي دار بين ترامب وتميم في ذلك اللقاء الخاص؟
وماذا قال ترامب لتميم في هذا اللقاء الخاص تحديداً ؟
وماذا رد تميم مُدافعاً عن قراراته لترامب ؟
وهل سجل السعوديون ذلك الحديث الخاص عبر كاميراتهم المزروعة في نفس المكان ؟
لا أحد يعلم شيئاً عما دار بين الرئيس الأمريكي وأمير قطر في ذلك اللقاء الشخصي, ولكن من الواضح أن ترامب نقل لتميم تحفظاته عن سياسة قطر وعبر له عن المخاوف التي نقلها له خصوم تميم, وقطعاً تميم برر لترامب سبب تلك الغضبة السعوإماراتية عليه وربما يكون حمل أصحاب تلك الدسيسة المسؤولية عن تردي الأوضاع في المنطقة وظهور ما يُسمى بظاهرة "الإرهاب", لأن ترامب وتميم ظهرا بعد انتهاء ذلك اللقاء مسرورين ومُبتسمين, وصرح ترامب قائلاً: "إنه شرف عظيم لي أن التقي الشيخ تميم. وقطر والولايات المتحدة دولتان صديقتان منذ وقت طويل؛ وسيكون هناك استثمارات تجارية بين البلدين".
هكذا خرج ترامب وتميم بعد لقاء النصف ساعة السري, فما الذي جعل آل سعود يشنون حملتهم الضارية على تميم بعد مرور ثلاثة أيام فقط من ذلك اللقاء ؟
هناك أيضاً أقاويل وتحليلات ولا توجد أي تصريحات رسمية, لهذا سوف أتناول ما يدور ويروج عن ذلك الخلاف أو تلك الحرب الإعلامية التي اندلعت فجأة من الجانب السعودي - الإماراتي ضد قطر بدون أي مُقدمات أو أسباب حقيقية موجبة لذلك النزاع المُفتعل.
1- قيل أن ل سعود أبدوا انزعاجهم الشديد من الكلمة التي ألقاها تميم في قمة البحر الميت في الأردن قُبيل انعقاد قمة الرياض بشهر واحد؛ والتي جاءت مُشابهة لكلمته التي ألقاها في الجمعية العامة في الأمم المُتحدة في 20 سبتمبر من عام 2016م؛ وبدا تميم وكأنه يغرد خارج السرب الخليجي - الأردني, مع علمه بالمساعي السعودية الهادفة إلى التحالف مع إسرائيل بعيداً عن تعقيدات القضية الفلسطينية, كذلك دافع في كلمته عن تنظيم الإخوان المُسلمين ورفض تصنيفهم على أنهم منظمة إرهابية.
ويبدو أنهم كظموا غيضهم وتظاهروا باللا مُبالاة لكنهم كانوا يتنفسون الغل والحقد ضد تميم مُنتظرين انتهاء القمة لكي ينفسوا عن غضبهم ويؤدبوا من عاد يُشاكس كأبيه وضرب وعوده السابقة لهم بالطاعة وتمرد على سياستهم, وهذا ما حصل ليلة 23\05\2017م.
2- البعض الآخر أرجع تأزم العلاقة المُفاجئ من جانب آل سعود ضد تميم بسبب الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بغداد يوم 22\05\2017م, ولقائه بحيدر العبادي ومن ثم تصريحه في بغداد بأن السفير القطري سوف يعود لمزاولة مهامه في االعراق.
إذ اعتبر آل سعود تلك الخطوة خروج عن الاجماع الخليجي وضرب لموقفهم بضرورة تنسيق المواقف, علماً أن آل سعود سبقوا قطر بفتح سفارتهم في بغداد, وهم في حلف دولي مع حكومة العبادي, وطائراتهم الحربية تشارك في قصف الموصل, ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير كان قد زار بغداد قبل وزير الخارجية القطري بشهرين :
3- هناك من يعتقد أن السبب وراء الهجوم السعودي الأخير على قطر هو نتيجة ما قامت به قناة الجزيرة, وخاصة عندما بثت تقرير وثائقي بعنوان - وحدة اليمن .. الاختبار الصعب - يتحدث عن المساعي الحثيثة لانفصال جنوب اليمن؛ والذي قالت أنه يتم بدعم وتمويل إماراتي, وهو ما آثار غضب آل نهيان واعتبروه تحريضاً علنياً ضدهم.
ثم تبعه خبر وتقرير عن مقتل 5 مواطنين بحرينيين شيعة واعتقال 286 آخرين على يد القوات الأمن البحرينية في بلدة الدراز في العاصمة المنامة قرب منزل المرجع الشيعي عيسى قاسم, وهو ما أثار آل خليفة وحكومة البحرين على قطر لأنها تناولت شأناً بحرينياً داخلياً.
وشخصياً لا أظن أن ما بثته قناة الجزيرة هو السبب الحقيقي وراء تلك الغضبة السعودية ولكنه ساعد في إثارة آل سعود, لأن تميم اتخذ سياسة مزدوجة ومُضحكة وهي تسليط الجزيرة على السيسي حليف آل سعود, وعلى آل نهيان حبايب آل سعود, وعلى آل خليفة حديقة آل سعود الخلفية ومداهنة آل سعود ظاناً أن هذا الأمر سوف يُفلح في تحييد آل سعود, مُتناسياً أن هؤلاء الأعداء جميعهم في حلف واحد ضد قطر وضد تنظيم الإخوان المُسلمين.
وحينما أقول أن تميم مازال غضاً وطارئاً على السياسة وغير مُدرك لحقيقة العداء السعودي لقطر, لأنهُ كان ناقداً مُتبرماً من سياسة أبيه السابقة وغير راضٍ عن أسلوب حمد بن جاسم في إدارته للسياسة القطرية الخارجية وخاصة إزاء آل سعود, وكان يعتقد بأن الأمور يُمكن أن تُحل بهدوء وأن الأمور يُمكن أن تُسوّا مع آل سعود بعيداً عن المماحكات الإعلامية والمُناكفات السياسية.
فحال تميم كان أشبه بمُشجعي كرة القدم خاصة حينما يتفرج الجمهور على المباراة ويخفق اللاعب المُهاجم في تسجيل الهدف, فيبدأ بعض المُشجعين بشتم اللاعب وتقريعه عن بعد ولومه لأنه أخفق في التسديد نحو المرمى ويرون بأن الفرصة كانت سانحة والهدف كان مضموناً لكن غباء اللاعب هو من ضيّع الفرصة ... الخ.
هكذا كان حال تميم؛ حيث كان دائم اللوم لسياسة والده ويُحمل وزير الخارجية القسط الأكبر من المسؤولية, ويرى أن الأمور السياسية يُمكن أن تسير بطريقة أفضل بكثير مما هي عليه الآن خاصة مع آل سعود, وأن ما يقوم به حمد بن جاسم هو تمادي وتصرفات خرقاء غير محسوبة مُضرة وغير ذات جدوى, وأنه لو كان هو من يُدير السياسة القطرية لحقق جميع الأهداف دون الدخول في نزاع أو خلاف مع الجيران.
وتميم لا يُلام في تخبطه وعدم خبرته السياسية, فهو في عام 1996م - حينما خطط آل سعود للانقلاب على أبيه حمد - كان يبلغ من العمر حينها 16 عام فقط, يعني مُجرد صبي صغير لا يفقه ما يدور حوله, فهو من مواليد 1980م, وعليه فهو حينها لم ينكوي بعد بنار المؤامرات السعودية المُحرقة ولم يُعايش الخبث السعودي المُعتق الذي عايشه والده؛ لهذا كان يظن أنهُ قادر على تسيير الأمور مع آل سعود بأسلوب ودي دون الحاجة إلى المواجهة معهم إعلامياً وبدأ يتردد على الملك عبد الله وأصبح وكأنه مثله الأعلى.
وربما كانت لدى تميم قناعة بأن التصعيد الحاصل بين السعودية وقطر كان يأتي من جهة حمد بن جاسم بسبب تشدده وصلفه في مواجهتهم, وأن آل سعود قوم لطفاء وديعين ولا يُمكن أن يُقدموا على هكذا أفعال دون أن يستفزهم أحد, لأنهُ كان من السذاجة بمكان بحيث صدق تلك الابتسامات الصفراء ووثق بالمصافحات كما صدقها قبله محمد مرسي.
كما أن تميم لم يكن يرتاح كثيراً لشخصية حمد بن جاسم إما بسبب رأيه السالف الذكر حول مسؤوليته في تأزيم العلاقات مع آل سعود؛ أو بسبب خشيته من استحواذ حمد بن جاسم على جُل الاهتمام الدولي ومن ثم يحظى من جديد بمكانة سياسية مرموقة قد تهمش من مكانته كأمير واعد جاء يحمل رؤية سياسية جديدة ويسعى للتغيير ويُريد أن يبدأ بدايات جديدة في المنطقة بعيداً عن الكادر السابق لعهد أبيه.
 
وأجزم أن تميم لم يُدرك خطَؤُه إلا عند صفعة آل سعود الأخيرة له, فهو بقي يمارس نفس دور التابع المُريد لآل سعود حتى بعد أن نبذوه في المرة السابقة ولولا وساطة أمير الكويت وتدهور صحة عبد الله لما غفروا له زلته, وإن كان عفواً مؤقتاً إذ سرعان ما عادوا لنبذه من جديد, لكن يبقى السؤال: هل تعلم تميم الدرس وأدرك أن لا علاج لهم إلا بترياق حمد بن جاسم؟ شخصياً لا أظن أن اتعض وتعلم الدرس.
أعلم أن البعض سيقول لي كيف تزعم الحيادية وأنت لم تذكر السبب الذي ادعى آل سعود أنه هو الدافع لما أقدموا عليه؛ وهو تصريح تميم المُعادي للسعودية والذي زعمت قطر أن التصريح مزور بسبب اختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا) ؟
أقول لأنني متأكد تماماً بأن هذا الزعم غير صحيح وأن الإدعاء السعودي كان مُجرد ذريعة فقط لتبرير الهجوم الإعلامي على قطر وعلى تميم شخصياً, والدليل أنني كنتُ مُتابعاً لقناة قطر في ذلك اليوم بالصدفة أعني يوم 22\05\2017م, حينما حضر تميم ليشهد حفل تخرج دفعة من المُجندين, الظريف أن إحدى الفعاليات كانت تحاكي عملية خطف لباص خاص بأحد فرق كرة القدم وقامت قوات الأمن بتخليص الفريق من قبضة الخاطفين؛ وانتهى العرض ولم يُصرح تميم بأي تصريح يُذكر.
وما جرى في تلك الليلة لم يكن اختراقاً إلكترونياً كما بررت الحكومة القطرية, بل فخ وقعت به وكالة الأنباء القطرية, حينما قامت بنقل خبر من خلال مواقع مشبوهة, حيث فوجئت الوكالة القطرية بهذا الخبر منشور في عدة مواقع إلكترونية فسارعت بنشره كي لا تتهتم بالتقصير وعدم مواكبة الحدث, مُعتقدة أن الشيخ تميم قد صرح فعلاً في حفل التخرج وبلعت الطعم, هذا ما جرى بالضبط ولكن كان من الصعب تبرير هذا الفعل فزعموا أن وكالة الأنباء القطرية تم اختراقها.
إذن ما جرى هو عملية استهداف مُتعمدة ومُفتعلة الغرض منها هو نبذ وإدانة تميم وحشره في زاوية ضيقة لكي يُسلم طائعاً وينصاع لجميع الاملاءات السعودية, ولهذا فإن الوساطة الكويتية لن تُفلح هذه المرة لأن هناك شروط قاسية يجب على تميم تنفيذها قبل أن يعود لبيت الطاعة السعودي.
أهم الشروط المتوقعة التي سيفرضها آل سعود على تميم بعد أن شعروا بضعفه :
1- التخلي عن تنظيم الإخوان والتوقف عن دعمهم وتمويلهم.
2- طرد يوسف القرضاوي من قطر وكل من له علاقة بالإخوان المُسلمين.
3- طرد عزمي بشارة من قطر والتوقف عن دعمه وإغلاق قناة العربي التي يُديرها عزمي.
4- إغلاق جميع المواقع والقنوات التي يُديرها الإخوان والمُمولة قطرياً.
5- التوقف عن دعم حماس والقبول بالخطة السعودية للتحالف مع الإسرائيليين.
6- التوقف عن مُهاجمة نظام السيسي وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الإنقلاب.
7- تحسين العلاقات مع الإمارات والبحرين وعدم التطرق للشؤون الداخلية لهذين النظامين.
8- إغلاق مكتبة قطر الرقمية الخاصة بالوثائق البريطانية -مكتب الهند, التي تحوي جميع مُراسلات عبد العزيز بن سعود مع الإنجليز.
9- إيقاف الدعم المالي والعسكري للفصائل الليبية وخاصة جماعة الإخوان في ليبيا ويجب الاصطفاف مع حفتر حسب التوافق الخليجي.
10- عدم التعامل الفردي مع إيران أو مع الحكومة العراقية الحالية إلا ضمن المنظومة السعودية - الخليجية.
علماً أن كل دول الخليج تتعامل مع إيران اقتصادياً وسياسياً ابتداءً من النظام السعودي والإماراتي, فشركة صافولا السعودية للزيوت تعمل داخل إيران وتجني الملايين من الدولارات, وكذلك الإمارات صاحبة الجزر المُحتلة لديها مصالح تجارية واسعة مع إيران, أما قطر فلديها حقل غاز مُشترك مع إيران داخل مياه الخليج لم يتم تشغيله بعد, وتسعى لاستثماره مع إيران مُناصفة.
ويبقى السؤال الأهم الآن ماذا لدى الجزيرة من أوراق أو لنقل أسلحة رادعة يُمكن أن تواجه بها هذا الحلف الخليجي المصري ؟
ففي عهد الأب حمد كان لديه عدة أوراق سياسية وإعلامية يمكنه اللعب بها ويردع بها جيرانه الناقمين عليه منها :
1- قناة الجزيرة الفضائية كذراع إعلامي (حينما كانت مرهوبة الجانب).
2- رأسمال هائل يتواجد في عدة دول أوروبية وآسيوية.
3- علاقاته قوية مع النظام الإيراني.
4- علاقات وثيقة مع نظام بشار والقذافي, وحتى بعد اندلاع الثورات كان لقطر نفوذ قوي وحضور مؤثر في داخل ليبيا وسوريا.
5- كان لديه تأثير وحضور دبلوماسي نشط من خلال جهود حمد بن جاسم, الذي كان يقود حملة دبلوماسية في أوروبا وأمريكا وروسيا تصب في صالح دولة قطر.
فماذا لدى الابن تميم من أوراق سياسية في الوقت الحالي ليواجه بها هذه الحملة السعودية الشرسة :
1- قناة الجزيرة تحولت إلى قناة حكومية تافهة ورخيصة حيث تمت سعودتها وبدأت تدلس وتنافق لآل سعود بطريقة مقززة ومُبتذلة وباتت ملكية أكثر من قناة العربية السعودية, فقام تميم بعملية اخصاء لهذه القناة حتى أصبحت قناة فارغة ولا تستطيع أن تجاري القنوات الإخبارية الأخرى.
فالعالم كان يحسب ألف حساب لدولة قطر الصغيرة من خلال ما تملكه من سلاح إعلامي مؤثر ورادع وهو (قناة الجزيرة), ولكن حينما تُصاب تلك القناة بـ"الخنث الإعلامي" بأمر حكومي ثم تصبح بوقاً لآل سعود حينها تسقط وتذهب ريحها.
فتميم نسي أن جمهور الجزيرة الذين تم استقطابهم خلال أكثر من ربع قرن واعين وأذكياء جداً وهم ليسوا قطعان مُسيرة لكي يُسخر موظفي الجزيرة ليدلسوا في المعلومة ويُحابوا في الخبر, فحولهم تميم إلى أدوات رخيصة تطبل وتزمر لآل سعود (لأن معزبهم تميم عايز كده).
كانت سياسة تميم الجديدة في الجزيرة لا تمسوا آل سعود بأي خبر, وركزوا هجومكم على الإمارات والسيسي ودحلان!
وكأن دحلان دولة عظمى أو مخلوق فضائي قادم من كوكب زحل, وينسى تميم وجزيرته الخائبة أن دحلان هذا مُجرد عميل للموساد رخيص, لا ترقى مُهمته لأن يحرك سياسات دول؛ فجعلت منه الجزيرة بغبائها قوة خفية تحرك العالم.
فبعد مرور أسبوع من الأزمة السعودية القطرية مازالت قناة الجزيرة تروج أن الخلاف هو بين تميم ودحلان, وإذا تجرأت قليلاً رمت بالتهمة على آل نهيان!
وكأن الناس أغبياء ولا يدركون أن من يقف خلف تلك الحملة الشرسة هو الملك السعودي الليكودي  سلمان بن عبد العزيز وولده المُتنفذ محمد, لكن الجزيرة لا تجرؤ أن تُصرح بهذا الواقع ومازلت تمارس سياسة القرود الثلاثة: (لا أسمع لا أرى لا أتكلم)؛ رغم أن حتى الأطفال في الشوارع تُدرك هذه الحقيقة تماماً؛ والسبب أن تميم قام باخصاء القناة تذللاً لآل سعود.
لقد قام تميم بنزع مخالب الجزيرة وأحرق دورها المؤثر عربياً وجعلها مُجرد قناة ترويجية نسائية فارغة تثرثر فيها نسوة أبو هلالة في صباح الجزيرة كما كانت تفعل عربية آل سعود, وخسر أهم أسلحته الفتاكة.
2- الأموال القطرية أصبحت مُقيدة وتحت الرقابة الأوروبية والدولية بسبب الحملات الدعائية السعودية - الإماراتية التي شيطنت قطر وصورتها بأنها تدعم الإرهاب.
3- علاقة قطر الحالية مع النظام الإيراني سيئة ومتوترة بسبب اصطفاف قطر مع آل سعود.
4- تخوض قطر صراعاً ميليشاوياً في ليبيا وقد ضعف دورها في ليبيا, كما تم سحب البساط من تحت أقدامها في سوريا.
5- تراجع الحضور والنفوذ الدبلوماسي القطري كثيراً في العالم بعد غياب حمد بن جاسم وغياب عهد الأب صاحب الخبرة, فأصبحت الدبلوماسية القطرية تلعب دور الذيل للسعودية, خاصة بعد التصريح الشهير لوزير الخارجية القطري السابق - خالد العطية - الذي قال عن سعود الفيصل يوماً: "إذا غضب سعود الفيصل يرتبك العالم".
لهذا فوضع النظام القطري الحالي حرج جداً وضعيف للغاية بعد أن تخلى تميم طوعاً عن جميع أسلحته الناعمة وفرط بعلاقاته الدولية وبات يسير خلف السياسة السعودية, وهذا كان أكبر خطأ استراتيجي ارتكبه تميم خلال إمارته للبلاد ولن يستطيع إصلاح ما ارتكبه من أخطاء أو رتق المأزق الذي وقع فيه إلا بتعيين حمد بن جاسم وزيراً للخارجية, فبسبب قلة خبرته وتهالكه على اتباع السياسة السعودية أظهر للعدو ضعفه وخواره فكان دائماً يُبادر ويبحث عن وسطاء لكي يُصالحوه مع آل سعود, حيث ربط مصيره وسلم كل أوراقه بيد أعداء والده ظاناً أنهم سيغفرون له وينسون سياسة أبيه السابقة.
قد يقول البعض أن تميم لا يتحمل المسؤولية لأنه ورث حمل ثقيل من عهد أبيه وحاول قدر الإمكان إصلاح العلاقات مع آل سعود؛ وهذا غير صحيح فسياسة والده كان صائبة وما كان يقوم به هو رد مكائد ومؤامرات آل سعود ولم يكن هو البادئ, لكن تميم لم يفهم أن حروب والده وابن عمه حمد بن جاسم لم تكن هجومية بل كانت دفاعية بحتة, فأراد أن يتحذلق عليهم كعادة أي شاب متحمس حتى ذاق الآن من كأس السم السعودي وأدرك أن والده كان على صواب.
أراد تميم بتهور هدم كل مخزون العلاقات والسياسة الخارجية التي صنعها والده وحمد بن جاسم خلال عقود طويلة من العمل والعلاقات العامة وصرف المليارات, وقرر اتخاذ سياسة جديدة مُهادنة وخاضعة للأجندة السعودية مُغايرة لسياسة أبيه وفشل, وعليه فهو يتحمل مسؤولية ما سيلحق بقطر كدولة وككيان.
فهل أخطأ الشيخ حمد باختيار ولده تميم ليكون خليفته ؟
سأترك الجواب للقارئ الكريم.
وطبعاً للحديث بقية.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صنائع الإنجليز - بيادق برسي كوكس وهنري مكماهون

نفق لص اليمامة وبقية الديناصورات السعودية تترقب

مسلسل «قيامة ارطغرل» ولادة جديدة للدراما التركية الهادفة