اليمن الرهينة ومصير الشويش المُعلق في دهاليز الرياض

لا ديمُقراطية ولا رخاء ولا أمن ولا استقرار في اليمن في ظل وجود أفاعي الدرعية وملحقاتها
فعلى الشعب اليمني أن يثور على آل سعود وأذنابهم قبل أن يثور على الشويش وأتباعه
والشاعر اليمني الكبير البردوني كان هو الأعمى البصير الوحيد في اليمن والعالم العربي
كُنتُ قد كتبت قبل عدة أسابيع عن الوضع الساخن في اليمن الثائر على الاستبداد والتبعية في ظل وجود حراك شعبي كبير تحول لاحقاً إلى ثورة شعبية سلمية كادت أن تسقط النظام الحاكم, لولا التدخلات الخارجية الخبيثة وعلى رأسها التدخل السعودي المُستفز, وقد نوهت في المقال أهم العوائق التي تقف وراء هذا الوضع المُرتبك وتجعله مُعلقاً, وتشجع بل وتمنع الشويش علي عبد الله صالح من مُغادرة سدة الحكم في اليمن, وحددت آل سعود كعامل رئيس في عرقلة الثورة اليمنية ومحاولاتهم الحثيثة لإجهاض ذلك الحراك الشعبي اليمني, من خلال التهويل وشراء الذمم ودعم النظام الحاكم, وتحريض وتخويف أمريكا والغرب من ذلك الحراك الشعبي المُسالم, وخلق المشاكل الداخلية لإفشال أي تغيير شعبي يحدث في اليمن لا يصب في صالح أحفاد مرخان.
واليمن كما قلت هي الخاصرة الرخوة للنظام السعودي, ولهذا أشد ما يخشاه أحفاد مرخان هو أن يأتي نظام مُستقل حُر وديمُقراطي في اليمن, فتصبح المزرعة السعودية مُحاطة بأنظمة وطنية مُستقلة ولا تخضع لإملاءت آل سعود.
وقد طالبني بعض الإخوة اليمنيين أن أدلو بدلوي وأكتب عن آخر التطورات السياسية في اليمن, خصوصاً بعد أن أُصيب الرئيس اليمني وتم نقله إلى إحدى المُستشفيات السعودية لتلقي العلاج بعد إصابته الخطيرة الأخيرة.
وقبل الخوض في التداعيات اليمنية الأخيرة, يجب عليّ أن أُعرج أولاً على مسيرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وأذكر ما له وما عليه, ليفهم القارئ أن الأمور تؤخذ بخواتيمها, وأن كثير من الرؤساء والحكام العرب يبدؤون بدايات حسنة, وأحياناً يتخذون قرارات جيدة, لكنهم سرعان ما ينحرفون عن الجادة ويزلون عن الطريق, والسبب هو ديمومة وبقاء الرئيس أو الحاكم فترة طويلة في الحكم, يولد لديه حالة من الطغيان والاستبداد في الرأي والتفرد وتبلد الإحساس والشعور بحتمية الحكم, وأنهُ الوحيد القادر والمُختار لهذا المنصب أو المكان, فيبدأ بالتشبث بالسلطة والتخبط والظلم والانحراف, ثم يكبر الأبناء ويصبحوا قادة وجنرالات فتتحول الرئاسة إلى مزرعة أبقار أو ضيعة خاصة به وبأبنائه وأفراد أسرته, ثم يشعر الرئيس أنهُ بدأ يُخالف القوانين ويتجاوز الدستور (إذا كان موجوداً أصلاً), فيتحول إلى أداة طيعة وخدين وتابع لأمريكا والغرب, ظناً منه أن أمريكا هي التي تُحيي وتميت, حينها سيسقط الرئيس أو الحاكم سُقوطاً مُريعاً, وسيخسر أي انجاز ولو كان بسيطاً بسبب عجرفته وتمسكه بالسلطة وتمكين أسرته في مفاصل الدولة, وارتمائه بأحضان الأجنبي.
وعلي عبد الله صالح هو نموذج من أولئك العسكر الذين بدؤوا بدايات لا بأس بها, لكنه سرعان ما انحرف وتحول مع عائلته إلى أسرة حاكمة مُطلقة فأصبحت اليمن جُملوكية ببركات السيد الشويش, فقد كان الرئيس اليمني إلى عام 1990م, رئيس مُستقل ولا يخضع للاملاءات, وربما حسنته الوحيدة أن اليمن قد توحد في عهده, وكان بإمكانه أن يخرج من الحكم وهو بمثابة رمز تاريخي يمني يذكره اليمنيون بكل التقدير والمحبة والخير.
لكن مغريات السلطة والجشع والتعود على ملذات الحكم, وتدخل الأبناء والتدخلات الخارجية, جعلت من الشويش يمسك بالكرسي بأظافره ويرفض التخلي عنه.
كما لا يغفل هنا الدور السعودي المؤثر في دفع الرئيس اليمني في سنواته الأخيرة على للبقاء في الحكم, وذلك بعد أن نجحوا في مسخه وبات كبقية أقرانه فحولوه إلى شويش خادم خانع وتابع لهم, رغم أنهُ كان إلى عام 1990م, غير منسجم معهم ولم ينساق خلفهم في حرب الكويت, وتم اتهامه بالتآمر مع صدام حسين, وكان بإمكانه أن يبقى إلى هذه الساعة مُستقلاً ويقف على الحياد ويحفظ كرامة شعبه وسيادة بلده, ويَكون حذراً من المكائد السعودية, وهو العالم جيداً بمؤامرات آل سعود ضده, خصوصاً عندما حاول علي سالم البيض التمرد والانفصال, حيث أمسك علي عبد الله صالح حينها بشحنات أسلحة سعودية مُهربة ومُرسلة لغريمه البيض, وقد أتصل مُتهكماً على سلطان بن عبد العزيز يشكره على شحنات الأسلحة السعودية التي أرسلها.
إلا أن الشويش لم يتطور وبقي يحمل عقلية الشويش التابع الذي يبحث عن فرصة ليقدم الخدمات لمن يدفع له أكثر, ولم يتعظ من الدروس والعبر أو يبتعد عن أوكار الأفاعي, بل أصبح أداة أمريكية وخديناً لآل سعود وخادماً مُطيعاً لهم ومنفذا لأجنداتهم, بينما كان بإمكانه أن ينسحب من الحياة السياسية قبل عدة سنوات بكل كرامة وشرف وهو في قمة عطائه وعزه, وبدون أي املاءات من أحد أو ضغوط سواء كانت داخلية أو خارجية, وذلك حينما أعلن بنفسه أنهُ ينوي عدم الترشح للرئاسة, وأنهُ قرر قراراً نهائياً أن يترك الحكم ويتقاعد.
إلا أن آل سعود وخوفاً على مصالحهم سرعان ما شعروا بالخطر الداهم, فأرسلوا للشويش آنذاك محمد بن نايف يحمل له رسالة ملكية تحثه على البقاء والصمود ومعها أموالاً طائلة, ليثنوه عن قراره ومُطالبته بالترشيح للرئاسة, وفعلاً فقد لحس صالح كلمته ورشح نفسه من جديد وفاز على طريقة الانتخابات العربية.
وكل هذا يهون لو أنهُ حافظ على سيادة وكرامة بلده, لكنه تحول أخيراً إلى عميل رخيص ومٌرشد مأجور للمخابرات الأمريكية, وأصبحت الطائرات الأمريكية بدون طيار تصول وتجول في أجواء اليمن وتقتنص اليمنيين المدنيين وتقتل الأبرياء بدم بارد, وسط تغطية وتعتيم وترقيع من قبل ذلك الشويش الخائب!!
وكلنا قرأ ما جاء في تسريبات ويكيليكس, وكيف كان يُرقع الشويش للجرائم الأمريكية التي تقتل أبناء شعبه, ويدعي أنها طائرات ينية!!
هنا سقط الشويش غير مأسوفاً عليه واحترقت جميع أوراقه, وكان الأشرف له أن يحفظ ماء وجهه ويُغادر بسلام دون الحاجة إلى المزيد من العنف أو إراقة الدماء, لكن آل سعود لن يقبلوا أو يستوعبوا أن تنتهي الأمور في اليمن بتلك النهايات السلمية في غير صالحهم.
ومع هذا فأن الشعب اليمني أثبت مسؤولية ورباطة جأش وضبط للأعصاب يُحسد عليها, ونال الإعجاب والتقدير حتى من قبل أعدائه, فثوار اليمن لم يستخدموا السلاح وهو متوفر لديهم بكثرة, ولم يُطالبوا بالتدخل الأجنبي أو الاستعانة بقوات الناتو, وكان على صالح أن يُقدر لهم تلك الوطنية, خصوصاً وأنهُ يزعم بأنه زاهد بالسلطة.
إلا أن مشكلة اليمن أن الرؤوس الكبيرة فيه نخرة وفاسدة, فالرئيس وأركان حكومته هم تحت إبط آل سعود, وشيوخ القبائل وعلى رأسهم آل الأحمر يتلقون رواتبهم وأعطياتهم من خزينة الرياض, ورجال الأعمال في اليمن مُرتهنين للسعودية, ولهذا فإن موقف الثوار الشرفاء الأحرار صعب ومُعقد.
والكل شاهد صادق الأحمر الذي خرج على قناة الجزيرة مُبرراً قبوله الهدنة مع النظام, هو إرضاءً للملك السعودي فقط, ولم يُقل حقناً لدماء أبناء الشعب أو نزولاً عن رغبة الثوار أو الوجهاء في اليمن!!
مثل هؤلاء المُرتزقة من مشايخ حاشد الذين يتلقون الرواتب والأعطيات من قبل آل سعود, لن يخدموا أو يعزوا اليمن, ولن يغيروا الأحوال من الأسوأ إلى الأفضل, بل ستبقى اليمن مريضة وعليلة كما قال البردوني, ورهينة بيد آل سعود وسلعة لكل من يدفع أكثر, إلا إذا تخلص ثوار اليمن الأحرار من هؤلاء الأوغاد الانتهازيين الوصوليين الموالون والمنساقون خلف الريال السعودي.
أما سيادة الشويش أو الأسود العنسي كما يُسميه البعض, فقد انتهى وخسر كل شيء؟
فقد خسر سمعته وهيبته وضاع انجازه التاريخي الوحيد في مشروع الوحدة, وفقد صحته وأصبح رهين الفراش, وقريباً سوف يُلقي به آل سعود في مزبلة جدة ليؤنس رفيقه في الكار زين العابدين بن علي.
وأما آل سعود فلن يجعلوا الثورة اليمنية تهنأ أو تمر بسلام, ولن يدعوا الشعب اليمني يُقرر مصيره أو يختار نظامه دون أن يجهضوا تلك الثورة, أو يدخلوا اليمن في حرب أهلية طاحنة.
السعودية تريد رئيساً مفصلاً على مقاس الرياض, تريد حاكماً هزيلاً في صنعاء يبصم بحوافره على معاهدة الطائف وعلى ما أقره الشويش من قبل, تريد أن يتحول اليمن إلى نظام تابع خانع يسير في ركاب آل سعود, وأن تستمر اليمن كدولة بائسة فاشلة ينهشها الفساد وينخر في عظامها الفقر والبؤس, وتستمر صنعاء في مهنة الاستجداء والتوسل بالمساعدات السعودية والخليجية وترسل أبنائها للعمل في المزرعة السعودية.
فعلي عبد الله صالح لم يُعد قادر على الحكم بعد الآن, إلا أن الثورة اليمنية لم تحسم الأمر بعد, وأن من يُحرك الخيوط الآن في صنعاء هم آل سعود ومعهم السفير الأمريكي بمعونة الأتباع والأذناب من بعض المُرتزقة اليمنيين ممن ربطوا مصيرهم بحكومة الرياض, والوضع سيبقى جامداً ومُعلقاً حتى تتحسن صحة الشويش ويختار هو البديل الناجح والخادم لأمريكا وآل سعود.
ولا يظن أي يمني واهماً أن آل سعود حريصين على سلامة أو مصلحة اليمن, أو يعتقد أنهم شفوقين على أحوال الشعب اليمني, فالسعودية ليست جمعية خيرية, وآل سعود ليسوا منظمة إنسانية؟
فسبق أن قام آل سعود بطرد حوالي مليون عامل يمني بسيط من السعودية في عام 1990م, فقط لأن الشويش وقف سياسياً مع صدام حسين!
فآل سعود لا يهمهم من اليمن إلا مصلحتهم الخاصة وخشيتهم أن يأتي نظام يمني وطني فينكث غزلهم, أو يغض الطرف عن تنظيم القاعدة, أو يُعيد النظر في مُعاهدة الطائف.
وعليه فأن الشعب اليمني اليوم أمام مُفترق طرق وهم بحاجة إلى ثورة مُضادة وعارمة ضد آل سعود وأزلامهم في صنعاء, والسعي الحثيث للتخلص من جميع الرموز الموالية للسعودية في جسد الثورة الواعدة, لأن هؤلاء المسوخ يمثلون المصالح السعودية وليس مصالح الشعب اليمني.
ولتكن الجمعة القادمة هي جمعة الرفض والانتفاضة ضد النفوذ السعودي والتدخلات السافرة في الشأن اليمن, لكي يرسل الثوار رسالة واضحة لا لبس فيها لآل سعود وأذنابهم, في أن الشأن اليمني خط أحمر, ولن يسمح الثوار بالتلاعب بمصير بلدهم أو اتخاذ القرارات اليمنية بالريموت كونترول من الرياض.
الرئيس السابق وأقول السابق لأنهُ بحكم المُنتهي, يقبع الآن في إحدى مُستشفيات الرياض ويُعاني من تداعيات خطيرة, وحتى لو عاد فسوف يأتي جثة هامدة, والشعب اليمني موجود الآن في ساحات وشوارع اليمن, والقرار السيادي بيده لا بيد آل سعود, فلا تسمحوا لهم أو لغيرهم يا شرفاء اليمن بالتدخل أو التخريب أو إجهاض ثورتكم.
والنصر بإذن الله القادم لا محالة وليخسأ آل سعود وأذنابهم.
أنصح كل من يُريد أن يفهم حال اليمن ويعرف الخفايا والمآسي ويُدرك التطلعات الشعبية, أن يقرأ قصيدة الشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني في قصيدته الشهيرة التي حملت عنوان : (أبو تمام وعروبة اليوم)
تلك القصيدة الرائعة والمُعبرة التي كتبها البردوني يُعارض فيها قصيدة الشاعر العباسي المعروف حبيب بن أوس الطائي الشهير بـ أبي تمام, حيث يقول فيها :
ما أَصْدَقَ السَّيْفَ! إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَـذِبُ
وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْـدُقِ الغَضَـبُ
بِيضُ الصَّفَائِـحِ أَهْـدَى حِيـنَ تَحْمِلُهَـا
أَيْـدٍ إِذَا غَلَبَـتْ يَعْلُـو بِهَـا الغَـلَـبُ
وَأَقْبَـحَ النَّصْرِ .. نَصْـرُ الأَقْوِيَـاءِ بِـلاَ
فَهْمٍ. سِوَى فَهْمِ كَمْ بَاعُوا وَكَمْ كَسَبُـوا
أَدْهَى مِنَ الجَهْـلِ عِلْـمٌ يَطْمَئِـنُّ إِلَـى
أَنْصَـافِ نَاسٍ طَغَوا بِالعِلْـمِ وَاغْتَصَبُـوا
قَالُوا : هُمُ البَشَرُ الأَرْقَـى وَمَـا أَكَلُـوا
شَيْئَاً .. كَمَا أَكَلُـوا الإنْسَـانَ أَوْ شَرِبُـوا
* * * * *
مَاذَا جَرَى .. يَـا أَبَـا تَمَّـامَ تَسْأَلُنِـي؟
عَفْوَاً سَـأَرْوِي .. وَلا تَسْأَلْ .. وَمَا السَّبَبُ
يَدْمَـى السُّـؤَالُ حَيَـاءً حِيـنَ نَسْأَلُـُه
كَيْفَ احْتَفَتْ بِالعِدَى «حَيْفَا» أَوِ «النَّقَـبُ»
مَنْ ذَا يُلَبِّـي ؟ أَمَـا إِصْـرَارُ مُعْتَصِـمٍ ؟
كَلاَّ وَأَخْزَى مِنَ « الأَفْشِينَ» مَـا صُلِبُـوا
اليَوْمَ عَـادَتْ عُلُـوجُ «الـرُّومِ» فَاتِحَـةً
وَمَوْطِـنُ العَرَبِ المَسْلُـوبُ وَالسَّلَـبُ
مَاذَا فَعَلْنَـا؟ غَضِبْنَـا كَالرِّجَـالِ وَلَـمْ
نَصْدُقْ.. وَقَدْ صَـدَقَ التَّنْجِيـمُ وَالكُتُـبُ
فَأَطْفَـأَتْ شُهُـبُ «المِيـرَاجِ» أَنْجُمَنَـا
وَشَمْسَنَا ... وَتَحَـدَّت نَارَهَـا الحَطَـبُ
وَقَاتَلَـتْ دُونَنَـا الأَبْــوَاقُ صَـامِـدَةً
أَمَّا الرِّجَالُ فَمَاتُـوا... ثَـمَّ أَوْ هَرَبُـوا
حُكَّامُنَا إِنْ تَصَـدّوا لِلْحِمَـى اقْتَحَمُـوا
وَإِنْ تَصَدَّى لَـهُ المُسْتَعْمِـرُ انْسَحَبُـوا
هُمْ يَفْرُشـُونَ لِجَيْـشِ الغَـزْوِ أَعْيُنَهُـمْ
وَيَدَّعُـونَ وُثُـوبَـاً قَـبْـلَ أَنْ يَثِـبُـوا
الحَاكِمُونَ و«وَاشُنْـطُـنْ» حُكُومَتُـهُـمْ
وَاللامِعُـونَ .. وَمَـا شَعَّـوا وَلا غَرَبُـوا
القَاتِلُـونَ نُبُـوغَ الشَّـعْـبِ تَرْضِـيَـةً
لِلْمُعْتَدِيـنَ وَمَـا أَجْدَتْـهُـمُ الـقُـرَبُ
لَهُمْ شُمُـوخُ «المُثَنَّـى» ظَاهِـرَاً وَلَهُـمْ
هَـوَىً إِلَـى «بَابَـك الخَرْمِـيّ» يُنْتَسَـبُ
مَاذَا تَرَى يَا «أَبَـا تَمَّـامَ» هَـلْ كَذَبَـتْ
أَحْسَابُنَـا؟ أَوْ تَنَاسَـى عِرْقَـهُ الذَّهَـبُ؟
عُرُوبَـةُ اليَـوَمِ أُخْـرَى لا يَنِـمُّ عَلَـى
وُجُودِهَـا اسْـمٌ وَلا لَـوْنٌ وَلا لَـقَـبُ
تِسْعُونَ أَلْفَـاً « لِعَمُّـورِيَّـة» اتَّـقَـدُوا
وَلِلْمُنَجِّـمِ قَـالُـوا : إِنَّـنَـا الشُّـهُـبُ
قِيلَ : انْتِظَارَ قِطَافِ الكَرْمِ مَـا انْتَظَـرُوا
نُضْـجَ العَنَاقِيـدِ لَكِـنْ قَبْلَهَـا الْتَهَبُـوا
وَاليَـوْمَ تِسْعُـونَ مِلْيونَـاً وَمَـا بَلَغُـوا
نُضْجَـاً وَقَدْ عُصِـرَ الزَّيْتُـونُ وَالعِنَـبُ
تَنْسَى الرُّؤُوسُ العَوَالِـي نَـارَ نَخْوَتِهَـا
إِذَا امْتَطَاهَـا إِلَـى أَسْـيَـادِهِ الـذَّنَـبُ
«حَبِيبُ» وَافَيْتُ مِـنْ صَنْعَـاءَ يَحْمِلُنِـي
نَسْرٌ وَخَلْفَ ضُلُوعِـي يَلْهَـثُ العَـرَبُ
مَاذَا أُحَدِّثُ عَـنْ صَنْعَـاءَ يَـا أَبَتِـي ؟
مَلِيحَـةٌ عَاشِقَاهَـا : السِّـلُّ وَالـجَـرَبُ
مَاتَـتْ بِصُنْـدُوقِ «وَضَّاحٍ» بِـلاَ ثَمَـنٍ
وَلَمْ يَمُتْ فِي حَشَاهَا العِشْـقُ وَالطَّـرَبُ
كَانَتْ تُرَاقِبُ صُبْـحَ البَعْـثِ فَانْبَعَثَـتْ
فِي الحُلْمِ ثُمَّ ارْتَمَـتْ تَغْفُـو وَتَرْتَقِـبُ
لَكِنَّهَا رُغْمَ بُخْـلِ الغَيْـثِ مَـا بَرِحَـتْ
حُبْلَى وَفِي بَطْنِهَـا «قَحْطَـانُ» أَوْ «كَرَبُ»
وَفِـي أَسَـى مُقْلَتَيْهَـا يَغْتَلِـي» يَمَـنٌ»
ثَانٍ كَحُلْـمِ الصِّبَـا... يَنْـأَى وَيَقْتَـرِبُ
«حَبِيبُ» تَسْأَلُ عَنْ حَالِي وَكَيْـفَ أَنَـا؟
شُبَّابَـةٌ فِـي شِفَـاهِ الرِّيـحِ تَنْتَـحِـبُ
كَانَتْ بِلاَدُكَ «رِحْلاً»، ظَهْـرَ»نَاجِيَـةٍ«
أَمَّـا بِـلاَدِي فَلاَ ظَهْـرٌ وَلاَ غَـبَـبُ
أَرْعَيْـتَ كُـلَّ جَدِيـبٍ لَحْـمَ رَاحِلَـةٍ
كَانَتْ رَعَتْـهُ وَمَـاءُ الـرَّوْضِ يَنْسَكِـبُ
وَرُحْتَ مِنْ سَفَـرٍ مُضْـنٍ إِلَـى سَفَـرٍ
أَضْنَـى لأَنَّ طَرِيـقَ الرَّاحَـةِ التَّـعَـبُ
لَكِنْ أَنَا رَاحِـلٌ فِـي غَيْـرِ مَـا سَفَـرٍ
رَحْلِي دَمِي ... وَطَرِيقِي الجَمْرُ وَالحَطَـبُ
إِذَا امْتَطَيْـتَ رِكَابَـاً لِلـنَّـوَى فَـأَنَـا
فِي دَاخِلِي ... أَمْتَطِـي نَـارِي وَاغْتَـرِبُ
قَبْرِي وَمَأْسَـاةُ مِيـلاَدِي عَلَـى كَتِفِـي
وَحَوْلِـيَ العَـدَمُ المَنْفُـوخُ وَالصَّخَـبُ
«حَبِيبُ» هَـذَا صَدَاكَ اليَـوْمَ أَنْشُـدُهُ
لَكِـنْ لِمَـاذَا تَـرَى وَجْهِـي وَتَكْتَئِـبُ؟
مَاذَا؟ أَتَعْجَـبُ مِنْ شَيْبِي عَلَى صِغَـرِي؟
إِنِّي وُلِدْتُ عَجُـوزَاً .. كَيْـفَ تَعْتَجِـبُ؟
وَاليَـوْمَ أَذْوِي وَطَيْـشُ الفَـنِّ يَعْزِفُنِـي
وَالأَرْبَعُـونَ عَلَـى خَــدَّيَّ تَلْتَـهِـبُ
كَـذَا إِذَا ابْيَـضَّ إِينَـاعُ الحَيَـاةِ عَلَـى
وَجْـهِ الأَدِيـبِ أَضَـاءَ الفِكْـرُ وَالأَدَبُ
* * * * *
وأَنْتَ مَنْ شِبْتَ قَبْـلَ الأَرْبَعِيـنَ عَلَـى
نَـارِ «الحَمَاسَـةَ» تَجْلُوهَـا وَتَنْتَـحِـبُ
وَتَجْتَـدِي كُـلَّ لِـصٍّ مُتْـرَفٍ هِـبَـةً
وَأَنْتَ تُعْطِيـهِ شِعْـرَاً فَـوْقَ مَـا يَهِـبُ
شَرَّقْتَ غَرَّبْتَ مِنْ «وَالٍ» إِلَـى» مَلِـكٍ«
يَحُثُّـكَ الفَقْـرُ ... أَوْ يَقْتَـادُكَ الطَّلَـبُ
طَوَّفْتَ حَتَّى وَصَلْتَ «الموصِلِ «انْطَفَأَتْ
فِيـكَ الأَمَانِـي وَلَـمْ يَشْبَـعْ لَهَـا أَرَبُ
لَكِـنَّ مَـوْتَ المُجِيـدِ الفَـذِّ يَـبْـدَأه
وِلادَةً مِـنْ صِبَاهَـا تَرْضَـعُ الحِقَـبُ
* * * * *
«حَبِيبُ» مَـا زَالَ فِـي عَيْنَيْـكَ أَسْئِلَـةً
تَبْـدُو... وَتَنْسَـى حِكَايَاهَـا فَتَنْتَـقِـبُ
وَمَا تَـزَالُ بِحَلْقِـي أَلْــفُ مُبْكِـيَـةٍ
مِنْ رُهْبـَةِ البَوْحِ تَسْتَحْيِـي وَتَضْطَـرِبُ
يَكْفِيـكَ أَنَّ عِدَانَـا أَهْـدَرُوا دَمَـنَـا
وَنَحْـنُ مِـنْ دَمِنَـا نَحْسُـو وَنَحْتَلِـبُ
سَحَائِـبُ الغَـزْوِ تَشْوِينَـا وَتَحْجِبُـنَـا
يَوْمَاً سَتَحْبَلُ مِـنْ إِرْعَادِنَـا السُّحُـبُ؟
أَلاَ تَـرَى يَـا أَبَـا تَمَّـامَ بَارِقَـنَـا
إِنَّ السَّمَـاءَ تُرَجَّـى حِيـنَ تُحْتَجَـبُ
ديسمبر 1971م
2011-06-19

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صنائع الإنجليز - بيادق برسي كوكس وهنري مكماهون

نفق لص اليمامة وبقية الديناصورات السعودية تترقب

مسلسل «قيامة ارطغرل» ولادة جديدة للدراما التركية الهادفة